الحياة بين الإنسان والحيوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

قيل إن الإنسان حيوان ناطق! ولعل هذه الحالة جعلته يبدع ويتواصل مع بني جنسه منذ أن اكتسب هذه الصفة، إلا أن اللسان قد يكون نعمة على صاحبه، أو يكون نقمه تؤدي إلى هلاكه من هذه الدنيا الجميلة، ومن هنا فقد استخدم الجاحظ الحيوان لتوصيل ما يريد قوله للآخرين، ومن الكتب التي سوف تظل أبد الدهر كتاب كليلة ودمنة، الذي تمت ترجمته إلى العديد من اللغات، وهو بمثابة إرث من حق كل شعوب العالم الاستفادة منه، وأخذ العبر منه أيضاً.

ولعل العلاقة بين الإنسان والحيوان قديمة قدم التاريخ، إلا أننا نلاحظ أن هنالك من لا يحب الحيوانات وقد تكون لديه فوبيا ــ مرض وهمي ونفسي ــ تجعل البعض من البشر لا يطيق رؤية قطة أو كلب أو حتى غزال جميل، وهي حالة موجودة في كل المجتمعات دون استثناء. وقد استخدم الرعاة الكلاب لحماية قطعانهم من هجوم الذئاب المفترسة، ونجد أن للكلاب مكانة خاصة، حتى إن ذكرها جاء في القرآن الكريم.. وهي تتصف بالوفاء والإخلاص للإنسان الذي يقدرها ويحافظ عليها، ويعاملها بشكل جيد ولا يؤذيها.

ولعل العديد من الصغار والكبار يتذكرون المسلسل الكرتوني حول القط والفأر، وهما من أشد الحيوانات عداء لبعضهما، وكثيراً ما نستمتع بذلك الفيلم، والذي جعل كبرى شركات الإنتاج التلفزيوني تركز على هذا الجانب لجلب المشاهدين من كافة الجنسيات والأعمار.. هل يعني هذا أن الإنسان قد مل من أفلام العنف والجنس والقتل.. أو تلك التي تحاول أن تشوه صورة الآخر، كما هو حال بعض الأفلام الغربية، التي لا ترى في الإنسان العربي إلا ذلك الذي يبحث عن اللذة، وتتناسى أن العرب والمسلمين قد ساهموا في الحضارة العالمية في شتى المجالات، سواء في الطب أو الهندسة أو الفلك والكيمياء وغيرها من العلوم؟

 ولا ننسى إسهامات ابن سينا وابن خلدون، هذا العالم الذي لا تزال بصماته موجودة بالرغم من كل محاولات طمسها وتجاهلها من قبل بعض الغربيين، بغض النظر عن دياناتهم، ولعل بعض أولئك قد استولى على أفكار ابن خلدون، وهنا نرى أن على منظمات حفظ حقوق المؤلف أن تقوم بمعاقبة أولئك على أفعالهم في نهب ابتكارات الآخرين.

يبقى أن الإنسان بطبيعته البسيطة، ما يزال يستمتع بأصوات العصافير في فترة الصباح الباكر، أو حين تودع الشمس الفضاء المحيط به وتبرز في مكان آخر معلنة بدء يوم جديد، وما يتبع ذلك من نشاط وعمل وإنتاج، على حين أنه يخلد للراحة والنوم، وهو الموت المؤقت لديه. وحين ينام الإنسان، تظل الكلاب هي التي تحرس المنزل أو المزرعة من أي عدوان عليهما، وحين قدوم شخص غريب أو غيره ممن لم يتعود عليهم ذلك الكلب، يبدأ بالنباح وهو صوت ينبه صاحبه لوجود شيء غير مرغوب فيه، وربما يتطور الوضع إلى هجوم شرس على ذلك الغريب، قد لا ينقذه منه إلا صاحب الدار.

ألم تكن القطط من الحيوانات المقدسة في الحضارة الفرعونية القديمة، ما يدل على مكانتها التاريخية في حياة البشر، وهي تؤكد أهمية الحيوان في الحضارات المختلفة على مر العصور.

وفي الوقت الراهن، نجد أن الوحدة والانعزال لدى الإنسان الغربي، جعلته يهتم بالحيوانات وخاصة الكلاب والقطط، ويتخذها شريكاً في حياته تسليه في الوحدة القاتلة، ولا عجب أن يقوم البعض بالتوصية بكل ثروته الهائلة لقط أو كلب، ظل ملازماً له في حياته.

وللكلاب أنواع وأشكال وأحجام مختلفة، كما هو الحال بالنسبة للبشر، بل إن الرحمة بهذا الحيوان قد تكون سبباً من أسباب دخول الجنة في الآخرة، كما ورد في حديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ما يؤكد أن الإسلام رحيم حتى مع الحيوانات.

وقد حظيت هذه الحيوانات بمكانة في الحياة العصرية، فهنالك مسابقة لأجمل كلب أو قطة، وفي الوقت ذاته هناك مسابقة لأقبح كلب أو قطة، وفي الغرب تصرف ملايين الدولارات على رعايتها والاهتمام بها، وقد نشأت العديد من الشركات من أجل القطط والكلاب.

ومن هنا برز دور الأطباء البيطريين، ما يجلب لحساباتهم آلاف الدولارات، وبرزت أيضاً أدوية خاصة بالحيوانات تدر الملايين على الشركات.

إلا أن هناك صورة أخرى سلبية، وخاصة الكلاب، فهي شرسة وقاتلة وخاصة حينما تجوع، وليس من المستبعد أن تهجم على الإنسان وتقتله.

هل يتبادر إلى الذهن لماذا يقوم الناس بزيارة حدائق الحيوان والاستمتاع بمشاهدتها في الأقفاص، وهي لا تبعد عنه إلا أمتاراً قليلة؟ وقد يقوم الكثيرون منا برحلات السفاري للتمتع بقربنا من الحيوانات، تلك الصديقة والعدوة في الوقت ذاته، وهذا حنين من قبل الإنسان للحيوان.

وأخيراً وليس آخراً، أليست الحيوانات هي التي تشعر بالكوارث الطبيعية قبل الإنسان، وتوجه له الإنذار الأولي، حتى يستطيع أن يتدارك ذلك الخطر قبل فوات الأوان؟!

Email