الرأسمالية والقيادة الحقيقية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ذكر زميل لي في وقت سابق، كيف أنه يشعر بالامتنان لأنه يمكنه أن يقول لأي شخص إنه يستحق أن يذهب إلى الجحيم (في الواقع، كلماته الدقيقة ليست للطباعة، ولكنكم أدركتم الفكرة). للوهلة الأولى، فإن مثل هذا التقاسم للرأي غير مكبوح الجماح، يبدو وقحاً وغير مقبول، ولكن بإمعان النظر، يصبح من الواضح كيف أن نهوض الأفراد ورفع أصواتهم عالياً، والقول بشجاعة لمن يستحقون ذلك إن عليهم أن يغربوا عن وجوههم، سيفيد المجتمع ككل.. وكيف أن الرأسمالية على وجه الخصوص هي وسيلة مثالية لذلك!

يعرّف الدكتور بوب هير من فانكوفر، وهو أحد خبراء الاضطرابات النفسية في العالم، حالة «السيكوباتية» وفقاً لقائمة مرجعية متعددة الأنماط، ولكن يمكن تلخيصها في أنها نقص في الضمير، وهو ذلك الهيجان في العقل البشري، لأننا قادرون على إبراز تأثيرات أعمالنا أو سلوكنا في المستقبل، والتعاطف مع من نخاطر بالتأثير فيهم.

بعض الآباء والأمهات لا يهتمون بالاستثمار في أي وقت، بغرس الضمير في أطفالهم. البعض عاجزون من الناحية الإدراكية، عن أن يكون لهم ضمير على الإطلاق. إلا أن أشخاصاً آخرين يبدؤون بضمير، وينتهي بهم المطاف إلى بيعه في مسيرتهم في مقابل المال.

عندما يلتقي الشخص السيكوباتي ويتعاون مع شخص ضعيف العقل، فإن النتائج تكون وخيمة على المجتمع. وأنا أتحدث عمن يجدون أنفسهم يتواطؤون مع الذين يخدمون أنفسهم بضراوة، في مجالات مثل التمويل والسياسة.

ذلك هو السبب في أن وول ستريت تلقي باللوم على الحكومة والتشريعات التي تراها متعارضة مع مصالحها، عن الانهيار الاقتصادي، وليس على مطالبها المستمرة لرعاية الشركات التي تتعارض مع مصالح الجميع.

وذلك هو السبب في أن الزعماء النقابيين سيقودون أتباعهم في طريق المطالب التي لا هوادة فيها، حتى تنهار شركاتهم تماماً ويتم بيعها للمصالح الأجنبية. وهذا هو السبب أيضاً في أن معظم السياسيين سوف يجدون العذر لويلات نظام الرعاية الصحية، باستثناء حقيقة أن تكاليف جماعة الضغط لجذبهم تعتبر عبئاً كبيراً في التكاليف.

في السوق الحرة، يكون الرأسمالي الحقيقي وحده مستقلاً بما فيه الكفاية، لطرد جميع اللاعبين المذكورين آنفاً، بسبب هرائهم وتشويشهم. بالنسبة للأحمق الذي بادل ضميره مقابل الأمن الوظيفي، لا يوجد شيء أكثر رعباً من التفكير في فقدان العمل، لأنه عندئذٍ ماذا سيبقى لديه! ولكن بالنسبة للرأسمالي الحقيقي، فإن المشاركة دائماً طوعية بشكل تام، ويمكن حلها في لحظة إذا ما هددت بحل وسط مفرط.

ربما لا يستطيع الرأسمالي الحقيقي صنع هذه التركيبة، التي تعتبر أحياناً من قبل هؤلاء الذين يوجدون في الأعلى، سلسلة غذائية في هذه الصناعات المخادعة، لكنه بالتأكيد الإنسان الأكثر حرية على هذا الكوكب.

أفضل نتيجة ممكنة بالنسبة لأميركا والعالم الغربي، ستكون انهيار هذه الأعشاش المختلة وظيفياً من خلال سلوك سكانهم المشين، كما حدث مثلاً في السنوات الأخيرة من قبل شركات «إنرون» و«ورلدكوم» و«تايكو»، ومختلف المؤسسات المالية والحكومات الأوروبية في مرحلة ما قبل الإنقاذ.

ففي مرحلة ما، يفقدون كل إحساس بالضمير الذاتي ويبدؤون في خداع أنفسهم. لا ينبغي لأحد إنقاذهم، فلنترك مخلوقات المستنقعات تلتهم بعضها. وأولئك الصادقون والأذكياء والقادرون حقاً، سوف يوجدون تجارة جديدة تبنى حول الفرد، الذي سيقف أو يسقط على حسب تعامله الشخصي وشخصيته ونزاهته.

السيكوباتيون هم نرجسيون منحرفون يتطفلون على الآخرين، ويعتقدون أنهم يحق لهم ما يريدون، ويستغلون حقيقة أن الجميع من أصحاب الضمير، يمارسون دورهم وفقاً للقواعد. هذه هي الطريقة التي يستميلون بها المضمار لصالحهم.

يجب على العالم الغربي الابتعاد عن فرضية الاختلال الوظيفي التي تفيد بأن المرء يتعين عليه أن ينضم إلى السيكوباتيين ويكون مثلهم، لتحقيق النجاح. لا بد أن يمزق مجال عملهم من قبل الأشخاص اللائقين، أي أصحاب المشروعات الرأسمالية، الذين يرفضون لعب دورهم ولا يخافون من إنشاء لعبة جديدة بقواعد جديدة، تنطوي على التعامل فقط مع الأشخاص أصحاب التفكير المتشابه، و«يعيدون صياغة» سلوك التافهين.

الأشخاص الأذكياء حقاً هم الذين يمكنهم تحقيق النجاح، دون المساس بضمائرهم بأي ثمن.. هؤلاء هم القادة الذين نحن في أمسّ الحاجة إليهم ونحن نمضي قدماً.

 

Email