موت العمق في أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المحتمل إلى حد كبير أن الفتية سيجدون هذا المقال سخيفاً للغاية سيخلصون إلى أن بمقدورهم أن يكتبوا مقالاً أفضل منه بكثير، وسوف يعلنون هذا على حساباتهم في تويتر وسط المئات من صورهم التي يبدو عليهم فيها عدم الاقتناع ثم ينتظرون قيام أصدقاء لم يلتقوا بهم شخصياً قط لإخبارهم إلى أي حد تبدو عليهم الوسامة في هذه الصورة.

يرجع ذلك إلى أنه بالمقارنة بـ 30 عاماً مضت، فإن أعداداً أكبر من الطلاب الأميركيين يعتقدون أنهم فوق المتوسط في الكتاب، القيادة، الذكاء، الانطلاق بالسيارات والمهارات الاجتماعية بحسب تحليل بثته هيئة الإذاعة البريطانية للبيانات المتعلقة بطلبة السنة الأولى في الجامعة أنجزه الباحث النفسي جان توينج.

ووجدت دراسة منفصلة نشرها توينش أن النزعة النرجسية لدى الطلاب قد زادت من 18% إلى 34% بين عامي 1994 و2009، وقد تصادف أن هذا النطاق يتزامن مع بروز الوسائط الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتر.

تجعل التكنولوجيا الآن من الممكن بالنسبة للناس أن يتعايشوا مع أوهامهم بكل عظمتهما.

هل تعرف أنه من الممكن بالفعل شراء "أصدقاء" على الفيسبوك وجرعات التقدير، وأن الناس يقومون بهذا لجعل أنفسهم يظهرون أكثر شعبية وجاذبية؟ وهكذا، فبدلاً من إنفاق 30 دولاراً في دعوة صديق حقيقي لمشاهدة الأفلام، حيث يمكنك بالفعل القيام بأمور مثل التفاعل والحوار وربما المخاطرة ببعض الاحتكاك الشخصي، فإن بمقدورك استخدام هذا المال لكي تشتري لنفسك "أصدقاء" عبر بعض الوسائط الاجتماعية الجديدة تتمثل وظيفتهم في أن يعجبوا بكل إيماءة ذهنية تبثها عبر الإنترنت.

لماذا تتعامل مع تعقيدات الصداقة مع بشر حقيقيين بينما يمكنك دفع مقابل مالي للحصول على الإعجاب والود غير المشروط من كيانات خفية في مناطق زمنية مختلفة؟

عند أي منعطف في متابعة المرء للمداهنة الزائفة يبدأ بالفعل في الاستمتاع بمذاق ماء حمامه؟ هل يقوم أي شخص بصرف ذلك الماء القذر، ويوضح أن 90% من الـ 50 ألف متابع له على موقع تويتر الذي يستمد منه إحساساً زائفاً بالشعبية ليسوا إلا حسابات زائفة وغير صحيحة؟ هل يسألهم أحد ممن يهتمون بهم اهتماماً حقيقياً عما فعلوه أخيراً في حياتهم لتوليد أي جوهر أصيل يمكنهم أن يعتزوا به؟ بالطبع لا، لأنه حتى أولئك الأصدقاء الذين لا يدفع لهم مال هم أكثر انهماكاً في اختيار أي مرشح "انستغرام" أفضل لتحويل عيوبهم إلى فن في الصورة الـ 250 التي التقطوها لأنفسهم محاولين أن يبدوا أغنياء وجذابين ومتمتعين بالشعبية والحس الفكاهي.

وهم قد لا يحبون المكان الذي يحتلونه في الحياة ولكن هذا ليس مهماً عندما يكون ألأمر المهم حقاً هو رأي الآخرين فيهم.

إذا استيقظت من نومك ولم يعجبك ما تراه في المرآة، فهذا أمر لا بأس به، لأن 250 "صديقاً" مزيفاً سيحبون ما يرتسم على صقال المرآة. إنها قلعة من التقدير الذاتي تجثم فوق أساس من الرمال المتحركة.

ولكنني لن أكتفي بانتقاد الفتية هنا، فهذا في حقيقة الأمر خطأ المجتمع وما عليك إلا أن تنظر إلى الدليل الذي يبرهن على مدى تردي معاييرنا، لقد بعثنا إلى شبكات التلفزيون برسالة قوية مفادها إن مشاهدة الزوجين كاردشيان وهما يعربان عن شكواهما أحدهما من الآخر، هي مادة قوية لأن بعض الناس يؤثرون مشاهدة هذا الهراء على إغلاق جهاز التلفزيون والمضي للوصول إلى بعض الإثارة من صنعهم هم أنفسهم.

والفتية يرون أن كيم كاردشيان وأخريات قد أصبحن ثريات وشهيرات بالكشف عن حياتهن على شاشة التلفزيون، وهم يحاولون تقليد ما يعرض عليهم، وهم يخرجون برسالة مفادها أن المال والشهرة يأتيان أولاً، ثم بعد ذلك تسقط الفرص من السماء، والأمر المحزن هو أنهم مصيبون.

كان الأثرياء والأغنياء يتمتعون من قبل بموهبة حقيقية كأساس ينطلقون منه. وهؤلاء الذين تصادف أنهم كانوا جذابين من ناحية المظهر تلقوا دفعة كبيرة من خلال مظهرهم، ولكن حتماً أن هذا المظهر لم يكن الأساس بكامله لنجاحهم، وذلك هو السبب في أن هؤلاء الناس سيظلون بمثابة أساطير خالدة استناداً إلى مساهماتهم، بينما الكثير من "نجوم" اليوم سيتم نسيانهم بحلول الوقت الذي يتسرب فيه شريط عاطفي للنجمة المتواضعة المقبلة.

إن التصاعد في نزعة النرجسية بين طلاب المرحلة الأولى في الجامعة هو نتيجة طبيعية للاستحقاق المتزايد للطرق المختصرة في مسيرة الحياة. هل تريد أن تكون رجل أعمال بارعاً؟ وربما تسأل: "أين رأس المال الذي أغامر به؟". هل تريد أن تكون رشيقاً؟

ربما تسأل: "أين حبة دوائي السحرية؟". هل تريد أن تحصل على عمل فور تخرجك من الجامعة؟ ربما تسأل: "أين راتبي السنوي المقدر بـ 250 ألف دولار؟". لقد حل الظهور بمظهر العظمة محل العظمة الحقيقية. أن تكون بدلة فارغة هو أمر لا بأس به إذا كانت البدلة من ماركة أرمني. والأمر الأكثر مدعاة للقلق هو أن هناك أعداداً متناقصة من الناس يمكنهم أن يحددوا الفارق بين الصفقة الحقيقية وبين الوقوع ضحية الغش. ربما لأنهم لا يمكنهم أن يدركوا ما لا يعرفونه هم أنفسهم.

 

Email