حماقة الإنفاق الاستخباري الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ألم يكن من المفترض شد حزام ميزانية الدفاع الأميركية الآن؟ في حين قام الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بشن حرب على الطريقة التقليدية بالاستعانة بالجنود والدبابات، فإن الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما عكف على تعهيد الأعمال القذرة المتعلقة بخدمة المصالح الأميركية، بحيث تقوم بها الطائرات الموجهة عن بعد التابعة للمخابرات الأميركية، والمتعاقدون من القطاع الخاص وجماعات الشبيحة والبلطجية ذوي الصلات بالإرهابيين، بل وتمتد هذه القائمة لتشمل الفرنسيين.

بدا الأمر كمال لو أن وزارة الدفاع الأميركية يمكنها أن تحزم حقائبها وترحل، لأن الإدارة الأميركية لم تترك لها الكثير لتقوم به. لكن أعضاء في الإدارة استيقظوا أخيرا، ليجدوا أن جنية الأفكار المبتكرة الخاصة بأوباما قد تركت تحت وسائدهم أطقم معدات تجسس. وهكذا يمكن القول؛ وداعا لملابس الميدان والبنادق، ومرحبا بملابس السهرة وأقداح الشراب التي يتمسك بها الجواسيس.

وقد صرح مسؤولون لصحيفة واشنطن بوست بأن فرعا للاستخبارات تابعا لوزارة الدفاع الأميركية، يحمل اسم "وكالة مخابرات الدفاع" ويعرف اختصارا باسم "دي آي إيه"، سوف يضيف 1100 ضابط حالة عبر البحار إلى قائمة العاملين في صفوفه، الأمر الذي من شأنه أن يرفع عدد هؤلاء الضباط إلى ثلاثة أمثاله خلال خمس سنوات. وإضافة مثل هذا العدد على قائمة الرواتب، ليس له أي معنى على الصعيد المالي أو العملياتي.

ففي أعمال التجسس يتم جمع معلومات المخابرات، ليس من خلال وكالة رسمية، وإنما بالأحرى من خلال بعض المدنيين الذين يتم توظيفهم كأدوات للقيام بالأعمال القذرة المنوطة بالوكالة المعنية، ويمكن بسهولة لضابط حالة واحد أن يدير العديد من مثل هذه الأدوات. ولا يعني المزيد من ضباط الحلالة بالضرورة زيادة عدد الأدوات التي تجمع المزيد من المعلومات، لأنه ليست هناك دولة في العالم لديها وعاء بلا قاع من المرشحين للقيام بدور أدوات التجسس.

وعلى أية حال، فإن النوعية أكثر أهمية من الكم. وعلاوة على ذلك، يقول المسؤولون الأميركيون إن التحدي الأكبر هو العثور على تغطيات لكل ضباط الحالة الجدد هؤلاء العاملين عبر البحار، لأنهم لا يمكنهم جميعا الاندراج داخل السفارات جنبا إلى جنب مع رجال المخابرات المركزية الأميركية.

هل يعني ذلك أن شخصا يعمل لصالح مخابرات الدفاع الأميركية وظيفته الجوهرية هي جمع معلومات عسكرية محددة، لن يكون بمقدوره تمرير نفسه في الخارج على أنه رجل أعمال أو أستاذ جامعي وبدء البحث، على سبيل المثال، عن عدد محدد من القنابل النووية المندرجة في ترسانة كوريا الشمالية؟

من الصعب بما فيه الكفاية على ضابط المخابرات الأميركية الذي لا يتعامل مع التعقيدات العسكرية الأميركية، أن يحصل على المعلومات الاستخبارية السرية. دع جانبا ضابطا تابعا لاستخبارات الدفاع الأميركية وليس لديه غطاء رسمي، وبالتالي تصل حصانته الدبلوماسية إلى مستوى الصفر في حالة كشف الغطاء عنه.

لماذا إذن لا تواجه الدول الأخرى مشكلة في العثور على أشكال من التغطية للعاملين في استخباراتها؟ إن ذلك يرجع إلى أنهم لا يجمعون المعلومات الاستخبارية القيمة، وما من أحد يفعل ذلك، ومن الصعب تصديق أن أميركا ستفعل ذلك، فهي لديها بالفعل عناصرها التي ليست من موظفي وكالة الاستخبارات، ويعملون في الأماكن التي تمس الحاجة إلى معلومات فيها.

لماذا يمكن مثلا لكل طالب صيني أو روسي في جامعة عبر البحار، أن يمد مخابرات بلاده بالمعلومات من دون أن يكون موظفا فعليا في وكالة المخابرات؟ إنك لا تحتاج إلى معرفة أو تدريب أشخاص بذاتهم لتقوم بتمرير المعلومات. وليس هنالك دليل على أن زيادة أعداد العاملين في هذا الميدان، سوف تعني نقصا في استخدام المتعاقدين الخاصين للقيام بالعمليات السوداء أو غيرها من الأهداف، وفي الحقيقة فإن العكس هو الصحيح.

وفي يوليو الماضي قامت وكالة وزارة الدفاع الأميركية بترسية عقد مدته 5 سنوات وقيمته 5.6 مليارات دولار، على شركات عدة للقيام بأعمال الاستخبارات على امتداد العالم.

وهذا ما يجعل الأمر برمته تفوح منه رائحة التغطية على الأعمال، فجمع المعلومات ليست فيه مشكلة في مجتمع المخابرات، رغم أن العجز عن فهم المعلومات التي يتم جمعها والتصرف وفقا لها، غالبا ما كانا مشكلة. غير أن التخريب السياسي الذي يشكل ما يصل إلى 90٪ من النشاط الاستخباري (على نحو ما كانت الحالة بالنسبة لجهاز الكي جي بي خلال العهد السوفييتي)، يقتضي عمالة وتحليا متزايدين.

إن الحكومات لا تطيح بنفسها، ففي الغالب وراء كل مجموعة محلية تحاول الإطاحة بحكومة أو طاغية، تكمن وكالة استخبارات أو أدوات تابعة لها.

إننا لا يمكننا أن نجعل قائدا عسكريا متقاعدا يقوم بكل العمل، ويبدو أن الحشود العسكرية ستشق طريقها إلى مواقع الحركة جاهزة لأداء مهامها.

 

Email