الحوار بين الأديان يخدم السلام العالمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تابعت الأمة الإسلامية والعالم أجمع مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، للحوار بين الأديان كوسيلة لتحقيق السلام والاستقرار، وتعود بنا الذاكرة إلى اللقاء التاريخي الذي انعقد أواخر 2007 بين خادم الحرمين الشريفين وبابا الفاتيكان بيندكت السادس عشر، والذي على إثره خرجت مبادرة الحوار بين أتباع الأديان إلى حيز الوجود.

وتوالت التطورات، حيث عقد "المؤتمر الإسلامي العالمي الأول للحوار" في يونيو 2008 بمدينة مكة المكرمة، وشارك فيه حوالي 500 عالم إسلامي، والذي وضع الأسس للحوار مع أتباع وثقافات الأديان الأخرى. وفي يوليو 2008 عقد المؤتمر العالمي للحوار في مدريد، الذي شاركت فيه 300 شخصية من مختلف الديانات والثقافات، والذي أكد أهمية القيم الإنسانية التي توحد البشر، كما طالب بأن تعقد الأمم المتحدة جلسة خاصة حول الحوار بين أتباع الأديان والثقافات.

وعلى إثر ذلك انعقدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نوفمبر 2008، وأكدت توصيات مؤتمر مدريد وأهمية التفاهم المشترك والحوار بين أتباع الديانات والثقافات، باعتبارهما ركيزتين مهمتين للحوار بين الحضارات وتحقيق السلام العالمي.

وكان مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، قد اتخذ من فيينا في النمسا مقراً له، على ضوء اتفاقية التأسيس التي وقعتها ثلاث دول هي المملكة العربية السعودية وجمهورية النمسا ومملكة إسبانيا، ووجهت الدعوة لعدد من الشخصيات العالمية لحضور الاحتفالات في السادس والعشرين من نوفمبر 2012 بمناسبة تأسيس المركز، وقد شاركت حوالي ثمانمائة شخصية من مختلف الدول في هذا الحدث المهم.

ومما أضاف إلى أهمية هذا الحدث، مشاركة وزراء خارجية الدول الثلاث والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وعدد من الشخصيات الدينية العالمية، وقيادات المنظمات الوطنية والإقليمية والدولية المهتمة بالحوار بين أتباع الديانات والثقافات.

إن اختيار النمسا مقراً لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار، يأتي كون جمهورية النمسا تقع في وسط أوروبا، وموقعها مميز بين الشرق والغرب كما يحمل دلالات تاريخية وجغرافية.

ولم يقتصر هذا الحدث المتمثل في تأسيس المركز، على الجانب الاحتفالي، بل شهد ورش عمل تناولت إدارة النزاعات ودور الشباب والاسـتفادة من الجهود في مجال الثقافة والتعـليم، في تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتشجيع الاحترام المتبادل والتفاهم المشترك بين الشعوب، ومناصرة السلام ومجابهة الصور النمطية التي تؤدي إلى سوء الفهم بين البشر، وهي من الأهداف التي اتفق المشاركـون علـى أهمية أن يستند عليها المركز في أعماله المستقبلية.

كمـا أكدت الشخصيات المشاركة في هذا الحدث، ضرورة عمل المركز مـن أجـل بناء منظومة أخلاقية وإنسانية مشتركة، تعزز روابط الأسرة وترسخ القيم وتخدم المصالح المشتركة، في سبيل مكافحة العنف والتطرف بكل أشكاله، بما يخدم السلم والاستقرار العالمي، وكذلك ليكـون للمركـز دور في بحث سبل مواجهة المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من زيادة لمعدلات الفقر وتدهور مستويات التعليم وتحديات آفات المخدرات وتلوث البيئة وغيرها.

لقد كان حدث إطلاق المركز، كما أجمع المشاركون، يليق بمبادرة تصدر من خادم الحرمين الشريفين، والتي تعتبر بمثابة رسالة جاءت في وقتها المناسب، لتؤكد للبشرية أن الأمة الإسلامية ستظل دوماً في مقدمة الأمم الداعية إلى الحوار والتسامح بين الأديان.

كما تؤكد الجذور الراسخة في الجزيرة العربية والوطن العربي للتواصل بين أتباع الديانات والثقافات، وخاصة الأديان السماوية الثلاثة التي انطلقت من منطقتنا، وبالتالي تكاتف هذه المبادرة مع الجهود الدولية التي سبقت المركز في مجالات الحوار العالمي.

إننا نتطلع إلى أن تكون الأعمال والأنشطة، التي ستقوم بها الأمانة العامـة لمركـز الملك عبدالله بن عـبدالعزيز العالمـي للحوار بين أتبـاع الأديان والثقافات، بمستوى الافتتاح الضخم للمركز، وذلك من خلال الانفتاح على مختلف الخبرات العالمية الأكاديمية والثقافية والإعلاميـة، لأن هـذا الانفـتاح مـن شأنه أن يثري الحـوار. ونتمنى لإدارة المركـز التوفيق في تنفيذ ومتابعة البرامج التي من شأنها الدفـع بمسـيرة الحـوار والتفاهم بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة، لترسيخ احترام ثقافة التنوع وإرساء دعائم السلام والأمن الدوليين.

 

Email