الكويت بعد أن هدأت العاصفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما كان العنوان مضللاً بعض الشيء، فالكويت التي شهدت أخيراً ثاني انتخابات في أقل من ظرف سنة، والتي قاطعها جمهور لا بأس به من الناخبين الكويتيين، تشهد تجمعات يطلق عليها البعض «شبابية» ويطلق عليها آخرون «صبيانية»، وذلك لكثرة المراهقين المشاركين فيها، والذين يميلون إلى الشغب والعنف والتكسير، والذين فضلاً عن ذلك ينطلقون من بعض المناطق السكنية، فيروعون الأهالي بأفعالهم تلك.

وربما يكون العنوان أيضاً لا يعكس الحقيقة بشكل كامل، ذلك أن تجمعات «كرامة وطن» ما زالت تخرج بانتظام وتجتذب إليها الآلاف، وإن أخذت الأعداد تقل في التجمعات الأخيرة وكان آخرها السبت الفائت.

وتجمعات «كرامة وطن» هي تجمعات ومسيرات مرخصة من قبل وزارة الداخلية، تنظمها القوى التي قاطعت الانتخابات الفائتة اعتراضاً على نظام الصوت الواحد الذي أقرته الحكومة أخيراً، والذي جرت بموجبه الانتخابات الأخيرة.

غير أن عنوان المقالة يبقى صحيحاً إلى حد كبير، ويعكس الوضع الذي آلت إليه الكويت، بعد أن مرت بتجربة عسيرة وامتحان صعب، خرجت منه ومواطنوها ينشدون الانتقال إلى مرحلة جديدة تتسم بالاستقرار والبناء، والبعد عن الصخب البرلماني الذي عايشوه طوال سنوات عجاف، لم تؤد إلا إلى تردي الخدمات وتجاوز القوانين وضمور هيبة الدولة، وكانوا مستعدين إلى أي حل يعيد لهم الأمل والطمأنينة.

وظني أن الناخبين الكويتيين وهم يتوجهون إلى صناديق الاقتراع، في الأول من ديسمبر الجاري، لم يكن يدور بخلدهم أن المجلس القادم بيده «طوق النجاة»، إذ كانوا على يقين بأنه مهما تمخضت عنه تلك الانتخابات، فإن حصادها سيكون من حيث التمثيل السياسي أقل بكثير من سابقاتها، في ظل مقاطعة شملت القوى السياسية الفاعلة، التي لها وجود واضح في الشارع، وعلى الأخص حزب الإخوان المسلمين، والتجمع الشعبي الذي يرتكز على بعض القبائل الكويتية الكبيرة.

أما ما كان هؤلاء يفكرون فيه ويجول في خواطرهم وهم يدلون بأصواتهم، فهو مجيء حكومة قوية تأخذ زمام المبادرة، لتنطلق في عملية الإصلاح والتنمية التي غدت الكويت في أمس الحاجة إليها، تلك «المبادرة» التي فقدتها في ظل المجالس السابقة. وربما هذا ما تستشعره أقطاب السلطة الآن، وعلى رأسهم سمو الشيخ جابر المبارك، المكلف بتشكيل وزارة جديدة. فقد صرح لوفد جمعية الصحافيين الكويتية الذي زار العراق أخيراً أن: «ليس لدينا عذر في أي إعاقة أو عرقلة لمسيرة التنمية» (الوطن، 10/12).

إذاً، الوزر الذي ستحمله الحكومة سيكون ثقيلاً، في ظل معارضة فاعلة تستقطب قطاعاً مهماً من الشارع الكويتي، والتي ستلجأ إلى كل أدواتها في الضغط، وكان أبرزها أخيراً، لجوؤها إلى الطعن في الانتخابات الأخيرة أمام المحكمة الدستورية. وعلى افتراض عدم قبول طعنها، فإنها تستطيع ممارسة ضغط من الشارع، وعبر صحافة الكويت الحرة ودواوينها العامرة ووسائط التواصل الحديثة وغيرها.

ولن تكون المعارضة وحدها العين المراقبة لأعمال الحكومة وبدرجة أقل كثيراً أعمال المجلس، ولكن جميع أفراد الشعب الكويتي التواق إلى الإنجاز، إذ «تضج» الصحف الكويتية بشكاوى مواطنيها عن سوء الخدمات ونقصها، في بلد ثري، ويكثر كتاب المقالات في صحفها من نقد الأوضاع، ويتعالى الحديث في دواوينها عن تخلف الكويت عن شقيقاتها في مضامير كثيرة. هؤلاء جميعاً سيكونون رقباء عفويين على أداء الحكومة القادمة، وعلى ممارسة المجلس لدوره.

ولكن شتان ما بين نقد عامة الشعب العفوي، وذلك النقد المنظم الذي تطرحه المعارضة. وقد يكون وجود معارضة فاعلة خارج البرلمان شيئاً حسناً وظاهرة إيجابية، إذ هو لا شك سيزيد الضغط على الحكومة والمجلس، ويدفعهما ويحفزهما على الإنجاز.. وهذا ما يتطلع إليه الشعب الكويتي.

فالشعب الكويتي يريد العنب المتمثل بالإنجازات، ولا يريد الناطور المتمثل برأس الحكومة.

 

Email