دروس من حرب غزة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحرب الوحشية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، وجربت فيها أحدث أسلحتها وتلك التي استوردتها من حليفتها الولايات المتحدة الأميركية، هذه الحرب كانت لها دروس وعبر للجانبين العربي والإسرائيلي، وربما للعالم الذي يسعى منذ مدة طويلة كي يضع حداً لمأساة الشعب الفلسطيني، التي احتلت الشطر الأعظم من سني القرن العشرين، وها هي تمتد إلى القرن الواحد والعشرين دون أن تلوح في الأفق نهاية لها.

وحل القضية الفلسطينية بالتبعية سيؤدي إلى حل للصراع العربي الإسرائيلي، وإقامة علاقات طبيعية بين دول المنطقة. بعض هذه الدروس يمكن إيجازه بما يلي:

الأجواء المختلفة التي جرت فيها هذه الحرب مقارنة بسابقتها التي تمت في أواخر 2008. فلا شك أن الربيع العربي كما بينا في المقالة السابقة ظهرت معالمه في هذه الحرب، فلا أحد من العرب تجرأ أن يلوم الفلسطينيين، وهم يحاولون المقاومة لنيل حقوقهم، وتحقيق نوع أولي من التوازن بينهم وبين العدو.

وهو التوازن الذي تخلت عنه الأنظمة المحيطة بإسرائيل، باتفاقية كامب ديفيد (1977)، و اتفاقيات أوسلو (1992)، وما تلاها من عمليات تطبيع جرت مع أكثر من دولة. إن تقاطر وزراء الخارجية العرب، وقبلهم رئيس وزراء "مصر الثورة"، ثم الوفود الشعبية، كانت كلها تشير إلى تغير "مزاج الشارع العربي"، وهو تغير انعكس على ولاة الأمور.

ربما من أعظم الدروس التي يستقيها المرء من الحروب العربية الإسرائيلية، وحرب غزة الأخيرة على وجه التحديد، هو أن "للقوة حدوداً".

فماذا عساها إسرائيل فاعلة، في شعب يقاوم احتلالها ويتفنن هذا الشعب في ابتداع وسائل المقاومة، مستفيداً من قوته الذاتية! فثمة مليون وسبعمئة ألف فلسطيني يعيشون في غزة، وأكثر من مليونين ونصف في الضفة، هذا إضافة إلى إخوانهم الذين لم يبرحوا ديارهم في النكبة عام 1948 وأصبحوا "مواطنين إسرائيليين".

وهذا الشعب يستفيد أيضاً من عمقه العربي والإسلامي وحتى الدولي، حيث غدا الرأي العام العالمي أكثر تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني، وأصبح متقبلا لفكرة "الدولتين" اللتين تعيشان جنب بعضهما بسلام.

إن القوة لم تجلب السلام لإسرائيل وفقاً لشروط السلام الذي تريده، وهذا مكمن فشلها. فإسرائيل أمامها خياران لا ثالث لهما: فهي إما أن تبيد الشعب الفلسطيني عن بكرة أبيه، وهو ما جربته على مدى أكثر من ستة عقود ولم تفلح، وهي لن تفلح في ذلك أبداً.

أو أن تجلس معهم على طاولة مفاوضات بنية حسنة، وتقبل بما قبله جميع العرب وهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران/ يونيو1967 وتكون عاصمتها القدس الشرقية، فضلاً عن حل مشكلة اللاجئين والقضايا الأخرى.

وقد أظهرت حرب غزة الأخيرة بجلاء، تغير القوى الفاعلة في الشرق الأوسط، فرمال هذه المنطقة سياسياً هي رمال لا يقر لها قرار. فقد رأينا بوضوح دور مصر الجديد، فأميركا سعت إلى خطب ودها وطلبت منها التوسط بين الطرفين المتحاربين، وغدت هي الضامن لاتفاق الطرفين.

ولعل نجاحها الأخير أغرى الرئيس محمد مرسي باتخاذ قراراته الأخيرة في وضع السلطات كلها في يديه، والتي تثير سخطاً كبيراً في الشارع المصري هذه الأيام. ثم إن دور تركيا كان حاضراً بقوة، وتجلى ذلك في زيارة أردوغان إلى مصر، ومرافقة وزير خارجيتها للوفد العربي للتضامن مع أهالي غزة، وأيضاً ظهرت قوة قطر الدبلوماسية التي تعكس قوتها المالية.

ومن خلف الستار، وكلما انطلق صاروخ من غزة، كان المراقبون يشيرون بأصابعهم إلى إيران ودورها في حصول المقاومة الفلسطينية على تلك الصواريخ التي غيرت من ميزان القوى قليلاً. وهذا ما أكده رمضان شلح قائد تنظيم الجهاد الإسلامي في مقابلته مع قناة الجزيرة، وهو الأمر الذي كرره خالد مشعل وإسماعيل هنية على صورة شكر لدور إيران.

وربما دفعت حرب غزة، وهذا هو خلاصة القول، الجميع مرة أخرى وعلى رأسهم إسرائيل، إلى العودة لطاولة المفاوضات، وبصورة جادة، وإلا فإن حروباً كثيرة قادمة، وربما ستندلع في وضع عربي أفضل من سابقتها.

 

Email