إسلاميو الفلبين وصوت العقل

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما إن تورد اسم " أبو سياف " لأحد الفلبينيين حتى يتملكه الخوف وينتابه الذعر، لأنه يمثل له العنف الذي يرفضه الشعب الفلبيني المسالم والذي تتكون بلاده الواقعة في جنوب شرق آسيا من 7107 جزر، ما زال معظمها غير مسكون، وتحتل مساحة تربو على الثلاثمئة ألف كيلومتر مربع. وأبو سياف هذا يمثل جانباً من محاولة المسلمين إقامة دولة إسلامية مستقلة في جنوب الفلبين وتحديداً في إقليم مندناو.

وهي محاولة امتدت لأربعين عاماً، أي الشطر الأكبر من عمر الجمهورية الفتية التي استقلت في العام 1946 بعد أن اكتوت بنار الاحتلال الياباني في الحرب العالمية الثانية، وبعد أن أصبحت تدين في تحريرها للقوات الأميركية.

المسلمون لا يمثلون إلا جزءاً بسيطاً من عدد سكان هذه البلاد الذين يتجاوزون بمجملهم المئة مليون، المسلمون منهم لا يزيد عددهم عن الخمسة ملايين أو ربما أكثر قليلاً، وهم متمركزون في الجنوب، حيث إقليم المندناو، وينتمون إلى أحد الأعراق الثمانية المكونة للشعب الفلبيني.

وغالبية أهل البلاد تدين بالمسيحية على المذهب الكاثوليكي (83٪ تقريباً)، إلى جانب المسلمين وباقي المذاهب المسيحية الأخرى. وقد دخل الإسلام إليهم بواسطة التجار عن طريق ماليزيا واندونيسيا منذ قرون عديدة، أما المسيحية فقد انتشرت في القرن السادس عشر الميلادي بفعل استيلاء الأسبان عليها بعد رحلة ماجلان الشهيرة.

انطلقت الدعوة إلى استقلال مندناو في العام 1968 بقيادة الجبهة القومية لتحرير مورو، وكان من أبرز قادتها نور ميسواري. وقد اقتنعت هذه الحركة بالحكم الذاتي بدلاً من الاستقلال، وعقدت مع الحكومة الفلبينية اتفاقاً بذلك العام 1996 برعاية معمر القذافي، غير أن السلام لم يعم المنطقة، وذلك بسبب وجود حركتين انشقتا من الحركة الأم. الأولى تسمت بجبهة تحرير مورو الإسلامية (1977) وترأسها سلامات هاشم، (خريج كلية أصول الدين بجامعة الأزهر)، ثم دالت الحركة إلى الحاج مراد إبراهيم.

 وهذه الحركة تأثرت كما يقول تقرير أعدته الجزيرة نت بتاريخ 31/8/2008 بأدبيات الإخوان المسلمين في مصر وكتابات سيد قطب وأبو الأعلى المودودي. أما سبب انشقاقها فهو رفضها لصيغة الحكم الذاتي وخوضها " للجهاد " في سبيل الاستقلال وإقامة دولة إسلامية في المنطقة.

أما التنظيم الآخر فقد أسسه عبد الرزاق جان جيلاني وشهرته " أبو سياف " في العام 1991، والتنظيم ذو توجه سلفي، تخرج صاحبه من جامعة أم القرى بمكة المكرمة. وقد قتل أبو سياف عام 1998 ليخلفه أخوه الأصغر قذافي الزنكلاني. وهذا التنظيم يعمل كما يقول التقرير المذكور على إنشاء دولة سلفية غربي جزيرة مندناو. وهو مصنف من حكومة مانيلا فضلاً عن الحكومة الأميركية أنها حركة إرهابية.

واستفادت جبهة تحرير مورو الإسلامية من المد الديني الذي عم المنطقة، حيث أصبح لها نفوذ واسع في جنوب الفلبين، ذات الأرض الجبلية المغطاة بالغابات. فكونت جيشاً قوامه 12 ألفاً من المقاتلين (كما تورد البي بي سي 14 اكتوبر الجاري) مع عشرات من المخيمات العسكرية، فضلاً عن تأييد واسع من الأقلية المسلمة في المنطقة. غير أن هذه الحرب كانت لها تكلفتها الباهظة في الأرواح والأنفس وفي المتاع. فقد راح ضحيتها بين 120 ألفاً إلى 150 ألفاً من الأشخاص، وأضحت مندناو بفضل هذا القتال المتواصل، أكثر مناطق الفلبين تخلفاً في المرافق والبنية التحتية، وأشدها فقراً.

ويبدو أن الطرفين (الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الإسلامية) لم يكونا على عجلة من أمرهم للتوصل إلى اتفاقية سلام، فقد استمر التفاوض بين الطرفين قرابة الخمسة عشر عاماً، إلى أن جاء صوت العقل ليقتنع الطرفان بأن أفضل الحلول الممكنة هو الحكم الذاتي للإقليم الذي سيحمل اسم " بانغسامورو " نسبة إلى شعب المنطقة، والذي سيرى النور قريباً.

 

Email