في ذكرى مؤسس دبي وباني نهضتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

انتقل عن عالمنا إلى جوار ربه في السابع من شهر أكتوبر عام 1990، عن عمر يناهز ثمانية وسبعين عاما، قضاها في خدمة أمته ومواطنيه.. المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ راشد بن سعيد بن مكتوم بن حشر بن مكتوم آل مكتوم الفلاسي، طيب الله ثراه.. هو القائد الذي تميز بالعفوية والبساطة، والذي نشأت في عهده "دبي الحديثة"، وساهم مع أخيه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في تأسيس وبناء وإقامة دولة الاتحاد.

ويرى علماء التاريخ أن التاريخ ما هو إلا توالي سلسلة الوقائــع والحوادث المتصلة والمتواصلة، التي تجسد وتعبر عن الحراك الاجتماعي للجنس البشري.. كما يستدل منه على مسيرة صناع الأحداث من عظماء البشر.

يحفل كتاب التاريخ بأعداد هائلة من القادة والزعماء والأبطال، إلا أن العظماء ممن سجلوا أسماءهم في دفتر التاريخ قلة ويشار إليهم بالبنان، ويعتبر الراحل المقيم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم أحد هؤلاء العظماء، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذ جمع بين صفات القيادة الصالحة ليحتل موقعاً متقدماً في سجل التاريخ، فقد كان حكيــماً وقائداً، وزعيماً ورائداً وملهماً.. والعظماء يرحلون، ولكن تبقى جلائل أعمالهم ومنجزاتهم شاهدة عصر تدل عليهم.

في مثل هذه الأيام يحق لنا أن نستدعي ذاكرة التاريخ، لمطالعة الصفحات الناصعة التي يحتويها سجل هذا الرجل القامة.. والقارئ للسجل الحافل بالإنجازات والمنجزات، يـقـف مبهوراً ومنبهراً أمام مناقب مؤسس وباني نهضة دبي.

ونحن إذ نستحضر هذه الذكرى العطرة، يهمنا أن نقتدي بها ونجعل منها منهاج عمل نسير عليه نحن.. بل وأبناؤنا والأجيال القادمة من بعدنا، نتعلم الدروس والعبر من قائد وهبه الله من الصفات والمناقب ما رفعه إلى مصاف العظماء.

تجمع آراء رهط من رفقاء درب الشيخ راشد من الجيل الأول الذين عاصروه، أنه كان يمتلك بصراً وبصيرة نافذة، يزينها عقل مدبر وفكر مستنير، إذ جمع بين الذكاء الفطري واليقظة الذهنية، والعقلية التخطيطية. وفي تقديري أن الشيخ راشد يعتبر رائدا للتخطيط الاستراتيجي، فقد سبق الكثير من علماء الإدارة ومخططي المدن وأساتذة التخطيط الحضري. وتفيد شهادات رجالات دبي الأوائل من رفقاء المسيرة، أن الراحل المقيم كان يحفزهم للعمل والإنجاز للمساهمة في تشييد البنية التحتية لدبي، وأنه كان يقود الجميع للسير بهم ومعهم في اتجاه خارطة طريق رسمها بدقة لمستقبل دبي.

إن المغفور له كان يباشر عمله الرسمي فجراً، بالقيام بجولة تفقدية لكافة مناحي دبي، ليتابع سير المشــاريع ويواصل لقاءاته بمجلسه العامر والمفتوح للجميع. وتعرف عنه متابعته الدقيقة عبر التواجد المستمر والمفاجئ في مواقع العمل، لضمان جودة التنفيذ. وفي نظر هؤلاء جميعاً أن الشيخ راشـد كان مثلاً للأجيال التي عاصرته، وقدوة للأجيال الحاضرة، وسيبقى رمزاً لأجيال المستقبل.

تفيد شهادات الرعيل الأول أن مبادرات الشيخ راشد أرست القاعدة الصلبة للقطاع الخاص، ليشق طريقه وينافس بيوت الخبرة والشركات الأجنبية التي تمركزت في دبي منذ طلائع الستينات، ولولا سخاء عطائه لما قام القطاع الخاص بأي دور في دبي، ولبقيت وكالات الشركات الأجنبية الكبرى في أيد أجنبية.

إن المغفور له كان يبنى دبي ويدعم سواعد رجــال دبي ليساهموا في عملية البناء والنهضة، وهكذا يمكننا القول إن باني نهضة دبي أرسى الدعامة الأولى لمفهوم الشراكة والتمكين.. وهي صفات لا تتيسر إلا لقلة يخصهم الله عــز وجل بفضله، حيث أجمع ذوو الرأي على أن الشيخ راشد كان يحمل فكراً ذا رؤية استشرافية، ترى المستقبل بعين الحاضر، وتبني الحاضر انطلاقاً من رصيد تجارب الماضي..

يصفه أحد رموز جيل الأوائل بأنه رجل دولة، وكان من أنبه الحكام في المنطقة وأكثرهم شعبية واحتكاكاً بالناس بصفة يومية. ويقول رفيق درب عصره إن الشيخ راشد كان حاكماً وحكيماً.. ويضيف آخر أن الشيخ راشد خطط للاتحاد وكان من مؤيديه، وأحد أهم أقطابه، بل مبشراً وداعيا له قولاً وفعلاً.

رب قائل إن المجتمعات ترتقي وتتطور بجهود أبنائها، ولكن الدول تبنى بفضل القيادات الراشدة والرشيدة التي تفجر طاقات أفـراد المجتمع، لتدفعهم وتمضي بهم ومعهم إلى رحاب المستقبل، بخطوات ثابتة وعزم لا يلين.

في يقيني أن رؤيته تجسد منهجاً فكرياً مبتكراً، جاءت به قريحة قائد ملهم وصانع تاريخ يستحق أن يجد طريقه إلى مدارسنا وجامعاتنا ومراكز البحث العلمي، كمقرر دراسى حتى يبقى حاضراً في ذاكرة الأجيال القادمة، ذلك أن تجربة الشيخ راشد تعتبر دليل عمل تنموي ونهضوي تستحق الدراسة والتحليل، لكشف الخفي من جوانب "كاريزما" الشيخ راشد كشخصية غير مسبوقة، حملت عصا الريادة ومضت بعزيمة لا تلين نحو الأهداف، شخصية عرفت متى وكيف تتخذ القرار في المواقف الصعبة لبلوغ الغايات الأصعب.

تطل علينا هذه الذكرى العبقة، ونحن أبناء هذا الوطن ما زلنا نتفيأ الظلال الوارفة لشجرة أصلها ثابت في الأرض وطلائعها تعانق أعالي السماء، شجرة دبي التي غرسها في هذه الأرض الطيبة الراحل المقيم.

طيب الله ثـراك وأنت في مرقدك الأبدي، ترعاك عناية المولى في السماوات العلى، وتتنزل علينا ذكراك الخالدة إلى أبـد الآبدين.

 

Email