الإسلام كقضيّةٍ الآن للغرب والأميركيين

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثلاث مراحل مرّت فيها الصورة المشوّهة للعرب والمسلمين في الغرب عموماً، وفي الولايات المتحدة خصوصاً.

فهناك مرحلة ما قبل سقوط "المعسكر الشيوعي"، حيث كان التركيز السلبي على الإنسان العربي تحديداً (كهويّة قومية وثقافية دون التطرّق للبُعد الديني)، من خلال توصيفه عبر الإعلام وبعض الكتب والأفلام السينمائية، بالإنسان الماجن والمتخلّف الذي يعيش في بلدان صحراوية ما زالت تركب الجِمال، رغم ما تملكه من ثروةٍ نفطية.

المرحلة الثانية، التي بدأت مطلع عقد التسعينات، واستمرّ فيها التشويه السلبي للهويّة القومية الثقافية العربية، لكن مع بدء التركيز أيضاً على الهويّة الدينية الإسلامية، حيث تجاوز التشويه العرب ليطال عموم العالم الإسلامي، باعتباره مصدر الخطر القادم على الغرب و"العدو الجديد" له بعد سقوط "المعسكر الشيوعي".

في هاتين المرحلتين، لعبت (ولا تزال إلى الآن) الجماعات الصهيونية وقوى عنصرية ودينية متعصبة ومتصهينة، الدور الأبرز في إعداد وتسويق الصور المشوّهة عن العرب والإسلام.

 بدايةً، لإقناع الرأي العام الغربي بمشروعية وجود إسرائيل (مقولة شعب بلا أرض على أرض بلا شعب)، وبأنّ العرب شعب متخلّف ولا يمثّل الحضارة الغربية كما تفعل إسرائيل! ثمّ أصبح الهدف في المرحلة الثانية (أي في مطلع التسعينات)، هو تخويف الغربيين من الإسلام والمسلمين كعدوٍّ جديدٍ لهم، وفي ظلّ حملة واسعة من الكتابات والكتب والمحاضرات عن "صراع الحضارات".

المرحلة الثالثة ظهرت عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 وما لحقها من أعمال عنفية في بلدان مختلفة، جرت تحت أسماء جماعات إسلامية وأصبح يُرمز لها، اختصاراً لمفاهيمها وأساليبها، بجماعات "القاعدة"، رغم عدم تبعيتها لقيادة واحدة.

وخطورة هذه المرحلة الثالثة، أنها حوّلت ما كان مجرد كتاباتٍ في عقد التسعينات عن "العدو الجديد للغرب"، إلى ممارساتٍ ووقائع على الأرض، كان المستفيد الأول منها إسرائيل والمؤسّسات الصهيونية العالمية، التي كانت تُروّج أصلاً لمقولة "الخطر القادم من الشرق"، والتي لها أيضاً التأثير الكبير على صناعة القرارات السياسية في أميركا والغرب.

وكانت إدارة جورج بوش الابن هي الحاضنة والمنفّذة لكلّ السياسات التي وضعها، في أواسط التسعينات، جملةٌ من "المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة، بالتنسيق مع معاهد وشخصيات معروفة بعلاقتها الوطيدة بإسرائيل، بل كان لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو دورٌ مباشر فيها آنذاك، من خلال ما يُعرف باسم وثيقة: «الانفصال عن الماضي: استراتيجية جديدة لتأمين الأمن» (Clean Break) التي صاغها في العام 1996 ثمانية من كبار "المحافظين الجدد"، والذين حاز بعضهم على مسؤوليات كبيرة في الإدارة الأميركية السابقة، وكان لهم القرار في الحرب على العراق، وفي إطلاق مقولة "الحرب على الإرهاب" في العالم الإسلامي.

من المهمّ الإشارة هنا إلى أنّ أول من بدأ بطرح مقولة "الصراع بين الإسلام والغرب" في التاريخ المعاصر، هم الغربيون أنفسهم. ودعاة هذا الطرح في الغرب لا يستطيعون القول: دينٌ مقابل دين، لأنّهم بأكثريتهم ينتمون لمجتمعات علمانية لا يُفترض للدين فيها دور في حركة المجتمع أو في تطوّره، وبالتالي يختار هؤلاء الدعاة كلمة "الغرب" لتعبّر عن جملة خصائص.. فهي تعبّر أولاً عن مضمون اقتصادي (نظام الاقتصاد الحر)، وهي تعبّر ثانياً عن مضمون سياسي (النظام الديمقراطي العلماني).

كما تعبّر ثالثاً عن مضمون جغرافي كان لفترةٍ طويلة رمزاً لحالة المواجهة في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وتعبّر أيضاً عن كتلةٍ لها مضمونها الأمني بما يُعرف بحلف "الناتو" أو الحلف الأطلسي، وهي أيضاً ـ وهذا الأهم - تعبّر عن كتلةٍ أصبحت لها مجموعة من المفاهيم الحضارية الخاصة بها تريد تعميمها على باقي دول العالم، كما تعبّر ضمناً عن تراثٍ ديني هو مزيجٌ من تراث المسيحية واليهودية معاً.

إذاً، فإن الذين سوّقوا لفكرة وجود صراع بين الإسلام والغرب، أرادوا فعلاً بهذه الدعوة جعل الغرب كلّه بحالة جبهة واحدة متّحدة، ضدّ "الإسلام" كموقع جغرافي غني بالثروات، وقلب هذا الموقع الجغرافي هو الأمّة العربية وثرواتها.

على الجانب الآخر، ما المقصود بتعبير "الإسلام" في هذه المقولة: هل الدين كعقيدة؟ هل المسلمون أنفسهم كأفراد وهم بمئات الملايين؟ هل حكومات العالم الإسلامي ومعظمها هو "صديق" للغرب؟ أم نتحدّث عن الموقع الجغرافي وثرواته فقط؟ وهل نعني بالعالم "الإسلامي" كتلةً واحدة اسمها "الكتلة الإسلامية"، كما كانت "الكتلة الشيوعية"، وهل هذا صحيح؟! هل هناك انسجامٌ أصلاً بين طبيعة الأنظمة في العالم الإسلامي؟ وهل هناك موقف سياسي واحد يجمع بين حكوماته؟ الجواب: لا، طبعاً، بدلالة كل ما يجري من صراعات وحروب بين وداخل دول العالم "الإسلامي".

ليست هناك جبهتان: غربية وإسلامية، بل هناك قوًى متصارعة، ولهذه التسميات المفتعَلة أهدافٌ سياسية واقتصادية وأمنية وثقافية، مرتبطة بقوّةٍ كبرى هي الولايات المتحدة الأميركية، التي أرادت أن تقود العالم بعد انتهاء الصراع الشيوعي/ الرأسمالي.

لذلك، كان المطلوب من "المحافظين الجدد" هو إيجاد بديل لهذا الطرح، فوُضع شعار "الخطر الإسلامي" منذ التسعينات، ليُقبَل أولاً داخل أميركا والغرب قبل أيّ مكانٍ آخر، وليبرّر سياسات وحروباً لم تكن لاحقاً لصالح أميركا، ولا لدورها القيادي المنشود، بل استفادت منها فقط شركات ومصانع ومصالح خاصة، إضافةً إلى ما جنته إسرائيل من توظيفٍ كبير لهذه السياسات والحروب الخاسرة. ولا شكّ أنّ أساليب الإرهاب والعنف المسلح بأسماء جماعاتٍ إسلامية، خدم بشكلٍ كبير هذه السياسات، وإن تصارع معها شكلاً في أكثر من ساحة!

لقد عاشت المنطقة العربية في العقد الأول من هذا القرن الجديد حقبةً خضعت الأحداث فيها لمتطرّفين دينيّين وسياسيين، تولّوا حكم أالولايات المتحدة، وإسرائيل، بينما ارتفعت سمة التطرّف الديني والسياسي أيضاً في العديد من الدول العربية والإسلامية.

السّمة المشتركة بين كل جماعات التطرّف هنا وهناك، أنّها تستغلّ شعاراتٍ دينية وتستخدم العنف المسلّح، ممّا يجعل معارك هذه الأطراف يخدم كلٌّ منها الآخر عمليّاً، وإنْ ناقضه نظريّاً!

Email