أين الذهبيات العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

واحسرتاه نقولها ونحن جالسون أمام شاشة التلفزيون نشاهد قنوات دبي الرياضية وهي تنقل لنا مشكورة أحداث الألعاب الأولمبية في لندن. نتحسر لأن الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية توزع يمنة ويسرة، وحظ العرب أقل القليل منها. ونحن هنا لا نتكلم عن حصيلة لاعبي دولة عربية منفردة وبعينها، بل نتكلم عن الدول العربية بمجملها والتي اشترك معظمها، إن لم تكن جميعها في هذه الدورة!!

لا يعقل أن تكون دول مثل جامايكا أو لاتفيا أو غيرها التي هي (ما بالعين شى، كما يقول مثلنا الخليجي) تحصل على ميداليات أكثر من الدول العربية قاطبة، فمثل هذه الدول ليست بأغنى من دولنا العربية ولا قدراتها الفنية والتقنية بأفضل مما نملك، أو إن عدد سكانها يفوق عددنا، ولنتذكر فإننا نقارن غلة هذه الدول فرادى مقارنة بغلتنا كدول مجتمعة!!

أيعقل أن تتربع كوريا الجنوبية، التي هي بالكاد تبلغ مساحتها المئة ألف من الكيلومترات المربعة في المركز الرابع وأن تحصد أربع عشرة ميدالية ذهبية ناهيك عن الفضية والبرونزية، ودولنا العربية الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي يكون حلمها الجماعي أن تحصل على ميدالية أو اثنتين، أين إمكانياتنا وثرواتنا وشبابنا، أين المسؤولون عن النشء عندنا؟!

ومن دواعي تخفيف ذلك الشعور بالحسرة والمرارة ونحن نشاهد مسابقات الأولمبياد في نُهر رمضان الطويلة (جمع نهار) ما قام به معلقو ومقدمو قنوات دبي الرياضية من نقد لأوضاعنا الرياضية، فهم أدرى بشعابها من بواطن الخلل وسبل العلاج. تكلموا بألسنتنا، وعبروا بخوالج نفوسنا، ووضعوا أصابعهم على الجرح، ووصفوا له الدواء.

ما أجمع عليه هؤلاء الخبراء في نقاشاتهم الطويلة والمتكررة يومياً في تفسيرهم لتخلفنا الرياضي وعدم قدرتنا على منافسة الأمم الأخرى هو غياب التخطيط، إذ رأوا ذلك علة العلل. وبالطبع، إذا عرف السبب بطل العجب. فالتخطيط الرياضي (أو في أي مجال) هو إحدى الركائز الأساسية للنجاح. وتبدأ تلك العملية بالتقاط أصحاب المواهب وهم صغار يُفع، والعناية بهم بالتدريب والتمرين لتصقل مواهبهم وترتقي تدريجياً بتقدم أعمارهم.

ثم، وهذا مهم لكثير من أبناء الدول العربية أو ربما لغالبيتها، وهو تأمين العيش الكريم للاعب، حتى يكون مطمئن البال واثقاً على مستقبله، خاصة أن الرياضة قد تشغل المتفوق بها عن التحصيل العلمي. فضلاً عن الاشتراك في المنافسات المختلفة لما فيها من فوائد جمة على اللاعبين في زيادة مهارتهم وفي بناء الثقة بأنفسهم وبقدراتهم.

وثمة ملاحظة فيما يختص بالمجال الرياضي في البلاد العربية، وهي أن كرة القدم هي اللعبة التي تستقطب أكثر جمهورنا، وتشد إليها إعلامنا، والأرجح أنها الأكثر اهتماماً عند مسؤولينا. ولا ريب أن كرة القدم لعبة جماهيرية تعشقها الغالبية من متابعي الرياضة، غير أن اهتمامنا يجب ألا ينصب عليها، إذ إنها واحدة من عشرات الألعاب التي تزخر بها الدورات الأولمبية وبعضها لم تتم ترجمة أسمائها إلى العربية إلى الآن.

ولقد رأينا كيف أننا حققنا نجاحات طيبة في الفروسية والرماية ولعبة الشيش وغيرها، إذن، فلتكن تلك بداية للاهتمام بالألعاب المختلفة، وإعطائها القدر الكافي من الرعاية والتغطية الإعلامية والتشجيع الجماهيري. ولنستعن بالخبرات الدولية، كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية حينما استعانت بخبرة رومانيا في الجمباز في الثمانينات، وها هي تجني الثمر هذه الأيام.

أخيراً، مع حسراتي وآلامي التي يشاركني فيها الجميع، فأنا لست من الذين يدعون إلى أن يكون هدفنا هو تحقيق الميداليات والفوز بالجوائز وحسب. فهذه قد تكون وسيلة لكنها بالتأكيد ليست هي الغاية. إنها وسيلة للارتقاء بالرياضة في مجتمعاتنا العربية، وجعلها في متناول الجميع، وتحفيز مواطنينا على الحركة والنشاط، وجعلها جزءاً لا يتجزأ من روتين حياتهم اليومية، لما للرياضة من فوائد على الصحة وعلى النظرة المتفائلة للحياة.

وبوضعنا خطة للفوز في الألعاب المختلفة، في الدورات الأولمبية وغيرها، سندفع بالرياضة قدماً في بلداننا العربية، مما يمهد أن تكون الرياضة أسلوباً لحياتنا.

Email