الصين وتحديد النسل

ت + ت - الحجم الطبيعي

الآن وقد بدأ تشن غوانغ تشنغ، المنشق الصيني الضرير، يستقر في حياة جديدة بالولايات المتحدة بعد عقود من الاضطهاد من قبل الحكومة الصينية، فإنه يلقى ترحيب أبطال لم يكن يتوقعه، ولا يبدو الآن أنه يقدره.

وكان تشن قد كرس الكثير من حياته لشن حملات ضد عمليات الإجهاض الإجباري، والتعقيم، وربط البوق، وغيرها من الوسائل لمنع النساء بالقوة من إنجاب طفل ثان. وفي الولايات المتحدة، فإن المدافعين عن حق الحياة في النقاش الأميركي المحموم وغير المنتهي حول الإجهاض، يتمسكون بـ"تشن" وكأنه واحد منهم، إذ تذكره اللجنة الوطنية لحق الحياة في نداءات جمع التبرعات.

ويقول مجلس أبحاث الأسرة إنه يأمل أن يؤثر تشن على النقاش في "وطنه الجديد، حيث يتم تجاهل وحشية الإجهاض غالبا"، فيما تحاصره الكنائس والجماعات الدينية الأخرى بالدعوات. ولكن الحقيقة هي أن هؤلاء الناس يسيئون فهمه بشكل فاضح.

وقالت صوفي بيتش، رئيسة التحرير التنفيذية لصحيفة "تشاينا ديجيتال تايمز": "إن قضية الإجهاض السياسية تختلف هنا تماماً، ولا يمكنك مجرد المساواة بين الحالتين". وفي حقيقة الأمر، فإن الأميركيين لو فهموا الرعب الذي تواجهه النساء الصينيات الحوامل، فإن ذلك سيخطف أنفاسهم.

وبالطبع، فإن الجميع تقريباً يعرفون قاعدة الطفل الواحد في الصين، التي تنطوي على منطق معين، نظراً لكثافة الشعب الصيني التي تبلغ 1,35 مليار نسمة. ولا تتخلف الهند عن الصين كثيراً، حيث تصل كثافتها السكانية إلى 1,21 مليار نسمة. ولكننا نجد بعد ذلك فجوة كبيرة إلى الدولة التالية من حيث عدد السكان، وهي الولايات المتحدة، التي تضم 314 مليون نسمة "فقط".

ومن بين أكبر دول العالم، فإن الصين هي الدولة الوحيدة التي تنتهج قسراً سياسات لاحتواء السكان. والمستثنون من ذلك، بطبيعة الحال، هم أثرياء الصين، الذين يمكنهم إنجاب العدد الذي يحلو لهم من الأطفال، إذا كانوا على استعداد لدفع غرامة مالية. ولكن في ما يتعلق بمعظم الآخرين، فإن الحكومة الصينية تتعقب بنشاط النساء الولودات.

وقالت بيتش إن موظفي الحكومة كانوا "يحاولون تتبع الدورة الشهرية، وذلك ربما لم يزل يحدث في بعض القرى". وأشارت الصين، في تقرير قدمته الأمم المتحدة مؤخرا بشأن القضايا السكانية، دون الخوض في التفاصيل، إلى أنها تخضع طلابها لفحوصات منتظمة، للتأكد من "حالة صحتهم الإنجابية" بصورة روتينية.

وذكرت وزارة الخارجية الأميركية أن الصين "تتخذ إجراءات مروعة لفرض حد الطفل الواحد الذي تسمح به"، بما في ذلك إجبار النساء المتزوجات على الخضوع لاختبارات حمل منتظمة، وأي امرأة تتخلف عن الحضور تواجه غرامة مالية. وفي حال حدث الحمل، على الرغم من ذلك، فإن المستقبل يمكن أن يكون مرعباً.

وفي أوائل يونيو الماضي، انتشرت صور لامرأة كانت حاملاً في شهرها السابع وأجبرت على الإجهاض، على موقع "ويبو" وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، وأظهرت إحدى تلك الصور الجنين ميتاً في دلو من الماء. وقال أحد المعلقين العاديين: "إن دولتنا تدار من قبل حيوانات".

وحظيت عملية الإجهاض المتأخرة تلك بالكثير من الاهتمام، ولكن، كما يعرف معظم الصينيين، فإنها بعيدة كل البعد عن غير المعتاد. وحصل يانغ تشي تشو، وهو أستاذ مشارك للقانون في جامعة شباب الصين، على إحصاءات من وزارة الصحة تبين أن الصين تجري، في المتوسط، 7 ملايين عملية إجهاض سنوياً. ويستحيل أن نعرف كم من تلك العمليات يمكن أن تكون طوعية، كما يشير تشي تشو في مدونته. ولكن في بلد يحارب معظم سكانه قاعدة الطفل الواحد، يرجح لعمليات الإجهاض الطوعي أن تكون نادرة.

وكتب تشي تشو يقول: "إن عمليات الإجهاض الإجباري تستخدم العنف والإكراه، وهنالك "مدارس سكانية" تحتجز بصورة غير مشروعة آباء النساء الحوامل وأجدادهن وأزواجهن، أو حتى النساء أنفسهن، من أجل إجبارهن على "إبداء الرغبة". والجيران، أيضاً، يخيفون النساء الحوامل لإرغامهن على "إبداء الرغبة"، أحياناً من خلال تخريب منازلهن (تمت ترجمة مدونته من قبل "تشاينا ديجيتال تايمز").

 ونقل تقرير حقوق الإنسان الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية العام الماضي، عن جماعة أميركية لحقوق الإنسان قولها إن "ابنة لا تتجاوز الشهر لإحدى الأمهات" في إحدى المقاطعات "احتجزت من قبل مسؤولين محليين في مجال تنظيم الأسرة، إلى أن وقعت الأم على وثيقة" توافق فيها على أن يتم تعقيمها.

وأظهر تقرير حكومة يانغ أن الدولة في عام 2009، وهو آخر عام مذكور، أجرت 22,8 مليون "عملية جراحية لمنع الحمل"، وهو ما يعني أي إجراء اجتياحي لتحديد النسل - التعقيم، والإجهاض، وقطع القناة الدافقة، وغيرها. ويصعب الاعتقاد بأن الكثير من تلك العمليات كان طوعياً.

وفي العديد من مقابلاته، يسارع تشن إلى التنديد بعمليات الإجهاض الإجباري في الصين، وغيرها من استراتيجيات تحديد النسل القسرية، التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الصيني، ولكن الحقيقة هي أن الحكومة الصينية تنتهك بشكل روتيني قوانينها الخاصة.

ولطالما قال تشن، إن تحقيق سيادة القانون في بلاده هي أولويته القصوى. وبالنسبة له، فإن نقاش الإجهاض في الولايات المتحدة يبدو تافهاً بلا شك. ورداً على سؤال بذلك الخصوص في المقابلات، قال تشن مرارا: إنني لم أفكر في ذلك كثيراً.

 

Email