لماذا تفشل خطة عنان في سوريا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأزمة السورية تزداد كل يوم خطورة وتعقيدا، ونهايتها تزداد بعدا وغموضا، رغم أن مجلس الأمن بقراره رقم 2043، ينص على رفع عدد المراقبين الدوليين لدعم خطة عنان المؤلفة من ست نقاط لحل الأزمة السورية إلى 300 مراقب. والخطة التي أصبحت محط أنظار العالم، تعتبر في نظر الكثيرين الفرصة الأخيرة لحل الأزمة السورية سلميا، لكنها تبدو محكوما عليها بالفشل لأسباب كثيرة.

فمن خلال التجربة التي عشناها أثناء إرسال المراقبين العرب إلى سوريا بناء على قرارات جامعة الدول العربية، أثبتت السلطة السورية قدرتها على المناوارة والمماطلة والدخول في أدق التفاصيل، وبواسطتها استطاعت أن تختزل كل الاتفاق مع الجامعة العربية بموضوع المراقبين، وجعلت هذه النقطة أهم النقاط الخمس التي تم الاتفاق عليها.

تبنت السلطة منذ بداية الثورة في سوريا الحل العسكري ـ الأمني لإخماد هذه الثورة، معيدة بذلك إلى الأذهان ما قامت به في ثمانينات القرن الماضي في حماة وحلب ومدن سورية أخرى. وهي لم تظهر في تعاملها مع هذه الأزمة أي نوع من المرونة، ولم تأخذ العبرة مما حصل في تونس ومصر وليبيا وكذلك اليمن.

يدعي أركان السلطة أنها تريد الحوار، ولكنها في الحقيقة تخاف منه كما يخاف الشيطان من المعوذات. ولذلك فهي تريد أن تحاور نفسها، أو أن تحاور معارضة صورية قد صنعتها من أجل هذا الغرض.

وأهم شروط الحوار هو اعتراف أطراف الحوار بعضها ببعض، فكيف تستطيع السلطة أن تحاور شيئا لا تعترف بوجوده؟ وفي العادة يتم الحوار بين طرفين متكافئين، وله أهداف واضحة وبرنامج عمل تلتزم به كل الأطراف المتحاورة، ويجب أن لا يكون الحوار من أجل الحوار فقط، بل يجب ان يكون لدى المتحاورين الصلاحيات الكافية للاتفاق والتنازل والعمل على كسب ثقة الطرف الآخر.

السلطة السورية لم تفعل أي شيء من هذا القبيل، وأغلب ما تقوم به السلطة السورية من أعمال "إصلاحية" يأتي بنتيجة معاكسة. وبمباركتها ودعمها تشكلت مجموعات مسلحة للدفاع عن السلطة، مثل "الشبيحة" وغيرهم، يتم تمويلهم من قبل بعض رجال الأعمال في سوريا.

وفي المقابل تشكلت مجموعات مسلحة من الحركة الثورية إلى جانب الجيش السوري الحر، ويتم تمويلهم من دول خارجية، وأغلب هذه المجموعات المسلحة أصبحت تعمل بشكل مستقل، ولا توجد لها سلطة مركزية تسيطر عليها، ولهذا أصبح الالتزام بقرارات وقف إطلاق النار صعبا للغاية.

التدخل في الشؤون السورية الداخلية من طرف دول أخرى، أصبح يمس سيادة البلاد الوطنية، وهنالك دول أصبحت تصفي حساباتها على الأرض السورية كما كان يحصل سابقا في لبنان والعراق، مما جعل عملية الاتفاق على الحل السلمي أكثر تعقيدا، وعلى طريقة المثل القائل "كثرة الطباخين تحرق الطبخة".

كما أن بعض دول الجوار تتمنى للجيش السوري المصير الذي وصل إليه الجيش العراقي بعد سقوط بغداد، أي أن يكون جيشا ضعيفا ممزقا أو محلولا ولا حول ولا قوة له. أما الكيان الصهيوني فيخاف من انتصار الثورة السورية، لأنه يعلم أن أول مطالب الحكومة الجديدة بعد انتصار الثورة، سيكون تحرير الجولان المحتل وإعادته إلى حضن الوطن الأم سوريا.

التدخل العسكري الخارجي، وخاصة غير العربي، سيؤدي إلى حرب أهلية طويلة الأمد، لأن هذا التدخل سيقابل بمقاومة شعبية شرسة، وخاصة من أتباع السلطة الحالية والمتنفذين في الدولة وبعض القوى الإسلامية المتطرفة، التي ستجد على الأرض السورية مرتعا خصبا لتصفية حساباتها مع بعض القوى العالمية، كما حصل في العراق واليمن وما يحصل الآن في أفغانستان.

إذاً، ما الإمكانيات الموجودة للوصول إلى حل سلمي للأزمة السورية؟

من الواضح أن السوريين لا يستطيعون وحدهم حل مشاكلهم للأسباب التي ذكرناها سابقا، وهذا يُعَرِّضْ كل الأطراف المتنازعة للابتزاز من قبل قوى خارجية، رغم أن كل أطراف الأزمة السورية متفقة على ضرورة الإصلاح والتحول الديمقراطي.

هنا تقع مسؤولية كبيرة على أصدقاء سوريا، وخاصة الدول التي تدعم السلطة عسكريا وسياسيا واقتصاديا، مثل روسيا وإيران والصين. هذه الدول تستطيع ان تنصح السلطة في سوريا ـ وحتى تضغط عليها ـ لتطبيق خطة عنان كاملة وبكل نقاطها الست، والابتعاد عن المراوغة والمماطلة، لأن ضياع الوقت ليس لمصلحة السلطة ولا لمصلحة المجتمع السوري بشكل عام.

وفي مقابل ذلك تقوم الأطراف الداعمة لتكتلات المعارضة، مثل تركيا ودول الخليج وأميركا وبعض الدول الأوروبية، بإقناع أصدقائها بالتحلي بالمرونة والاستعداد للتنازل في بعض الأمور، من أجل الوصول إلى حل يرضي أغلبية المجتمع السوري وينقذ سوريا، والمنطقة كلها، من كارثة تتربص بها.

أكثر أوراق الأزمة السورية في يد السلطة، وعلى رأسها رئيس الجمهورية الذي يستطيع أن يقدم تضحيات أكثر من غيره من أجل حماية الوطن من آفة الحرب الأهلية، حتى لو كلفه ذلك التنازل عن منصب الرئاسة كما حصل في اليمن. الاتفاق المنشود يحتاج إلى حوار جاد ونابع من إرادة حقيقية، وعلى كل الأطراف أن تكون على قدر هذه المسؤولية التاريخية وتضع مصير ومستقبل الوطن والمنطقة في أعلى أولوياتها.

 

Email