خمس جمهوريات و24 رئيساً

ت + ت - الحجم الطبيعي

في شهر ديسمبر من عام 1848 ميلادية شهدت فرنسا أول انتخابات رئاسية في تاريخها. وبها أصبح لويس نابليون بونابرت ابن اخ نابليون الأول أول رئيس بعد أن فاز على خصمه لويس أوجين كافانياك. غير أنه وكغيره من زعماء العالم وحبا في السلطة الدائمة والعظمة القائمة قام في العام التالي بانقلاب نصب نفسه على إثره إمبراطورا لفرنسا واتخذ اسم نابليون الثالث! وأطلق الفرنسيون على تلك الحقبة الجمهورية الثانية.

ثم جاءت الجمهورية الثالثة التي حكم فيها أربعة عشر رئيسا منتخبا، وأشهرهم فيها فيليكس فور عام 1895 حتى 1899. وكذلك إيميل لوبيه الذي فصل الدولة عن الكنيسة. ثم في عام 1913 جاء ريموند بوانكاريه عندما اندلعت في فترة ولايته الحرب العالمية الأولى. ومن المصادفات أن يحكم فرنسا رئيس يحمل لقبا قريبا جدا من ميتراند:

وهو ميلراند، وينتمي هو أيضا إلى حزب اليسار. ثم انفجرت الحرب العالمية الثانية وانقلبت الأمور في أوروبا، واحتلت ألمانيا النازية فرنسا في غمضة عين وشردت أكثر من عشرة ملايين فرنسي وجدوا أنفسهم يتيهون في الدروب دون مأوى كما يحصل الآن في أفريقيا. وانحصرت فرنسا وحكومتها برئاسة ألبير ليبران في جزء من أراضيها الغربية على جانب المحيط الأطلسي، وتحديدا في بوردو.

وطلب أحد جنرالاتها حفاظا على سلامة الجيش أن يستسلم للعدو النازي. غير أن هذا الطلب تم رفضه من قبل المجلس، فقدم رئيس المجلس استقالته. فما كان من رئيس الجمهورية ألبير ليبران إلا أن عين بديلا عنه فيليب بيتان وكان ذلك في عام 1940.

ومرت فرنسا في هذه الفترة التي أطلق عليها فترة الهدنة ــ بأسوأ لحظات تاريخها بين الدمار والحرب والتقسيم كالذي يشهده العالم العربي يومنا هذا كما في العراق مثلا. حيث قسمت فرنسا إلى منطقتين: المنطقة الحرة والمنطقة المحتلة، باستثناء بعض الأقاليم التي ظلت تحت السيطرة المباشرة للرايخ الألماني أو ضمت إلى ألمانيا مباشرة، بحيث يظل ما تبقى من فرنسا تحت سلطة نظام حكومة فيشي (وهي مدينة جميلة تقع على ضفتي نهر الألييه).

وكان يترأس هذا النظام الماريشال بيتان الذي منحه مجلس الشعب سلطات واسعة. فما كان منه إلا أن نصب نفسه رئيسا للدولة الفرنسية وألغى بند (انتخاب رئيس الجمهورية) من الدستور الفرنسي الذي مضى عليه أكثر من خمسة وستين عاما!

وحررت فرنسا من براثن الاحتلال الألماني عام 1944 بفضل التدخل الأميركي! تماما كما حدث في الكويت والعراق قبل عشرين عاما. وتم تنصيب الجنرال شارل ديغول، الذي كان رئيسا للحكومة المؤقتة أثناء الحرب، رئيسا للجمهورية الفرنسية بعد التحرير.

وتبعه عدة رؤساء حكومات مؤقتة إلى أن أعلن دستور الجمهورية الرابعة عام 1947. ولم يحكم خلال الجمهورية الرابعة سوى رئيسين فقط دخلا في حروب شرسة ودامية منها حروب الهند الصينية وحرب الجزائر. وبعد ذلك تماما أعلنت الجمهورية الخامسة عام 1958 عندما صوت الفرنسيون لأول مرة لانتخاب رئيسهم بالاقتراع المباشر.

ويعود الفضل في ذلك إلى الجنرال شارل ديغول. وكان ديغول رئيسا ذا هيبة وفكر ثاقب وشخصية نافذة وقرار صارم، استطاع بحكمته تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني بينما كان مختبئا في بريطانيا، وأنقذها مرة أخرى من فخ حروب الصين الهندية وأسس الجمهورية الخامسة وسحب فرنسا من قيادة حلف شمال الأطلسي وطرد القواعد العسكرية الأميركية من البلاد ومنح الجزائر استقلالها.

وهو صاحب المقولة الشهيرة عشية استقالته: "كيف أحكم شعبا لديه 365 نوعا من الجبن"؟ واستقال قبل أن ينهي ولايته، وجاء بعده على التوالي جورج بومبيدو وفاليري جيسكار ديستان وفرانسوا ميتراند وجاك شيراك الذي عرف بصداقته للدول العربية بناء على مصلحة فرنسا، وقام بتخفيض فترة ولاية الرئيس إلى خمس سنوات بعد أن كانت سبعا.

وأخيرا جاء نيكولاس ساركوزي (عام 2007) ليكون الرئيس الثالث والعشرين في تاريخ الجمهورية الفرنسية. وهو أول رئيس فرنسي ليس من أصول فرنسية. ومع هذا وقف ضد المغتربين والمهاجرين وأسس برنامجه الانتخابي الأخير على هذه السياسة التي تقارب كثيرا أفكار اليمين المتطرف. وبسببها ربما (بعد أن صوت الفرنسيون من أصول مغربية ضده ردا على سياسته تلك) خسر العديد من الأصوات في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة الفرنسية أمام منافسه من اليسار، فرانسوا هولاند. واليوم يتحدد مصير واحد من هذين المرشحين ليكون الرئيس الرابع والعشرين للجمهورية الفرنسية.

 ورغم أن معظم نتائج استطلاع الرأي العام تشير إلى فوز مرشح اليسار بفارق كبير جدا، خاصة بعد المناظرة المتلفزة المباشرة بين الخصمين اللدودين، إلا أن صناديق الاقتراع لا تخلو في النهاية من المفاجآت. وإن غدا لناظره قريب.

 

Email