نظرة على الإعلام العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخليج ليس نفطاً بل إنسان قبل النفط وبعد النفط، والإمارات دانة هذا الخليج ليست ثروة نفطية ومادية فقط، وإنما هي في الأساس ثروة بشرية ومعنوية، والنهضة الحديثة في الإمارات ليست فقط نهضة عمرانية وإقتصادية وإنما هي أيضاً نهضة بشرية تعليمية وعلمية وثقافية وإعلامية.

هذا ما تؤكده المشاهد والشواهد المتوالية مع كل عام بل مع كل شهر في كل مجال من مجالات الحياة وفي كل ميدان من ميادين التقدم، وهذا ما يعكسه إنسان الإمارات مع كل إطلالة جديدة على وطنه العربي وأمته الإسلامية وعالمه المعاصر، بما جعل العالم يحترم أداءه ويشيد به.

في آخر المشاهد، كان المشهد الإعلامي شاهدا حيث دعيت من نادي دبي للصحافة لحضور المؤتمر الصحافي لإصدار التقرير السنوي «نظرة على الإعلام العربي» كباكورة فعاليات الدورة التاسعة لمنتدى الإعلام العربي الذي تستضيفه مدينة دبي برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، والذي يبدأ تظاهرته الإعلامية السنوية هذا الأسبوع.

حمل التقرير الإعلامي لهذا العام عنواناً لافتا «ثورة الإعلام العربي.. التحول والانكشاف»، وقد استعرض التقرير هذا العام من الحقائق الموضوعية والإحصاءات الرقمية في المجالات والوسائل الإعلامية المختلفة، التقليدية منها والجديدة، ما يزود الإعلاميين والباحثين والمسؤولين بإضاءات مفيدة، على واقع الإعلام العربي بإيجابياته وسلبياته، بطبيعة مساره وآفاق تطوره وإمكانية توظيفه برشد للالتزام بالحق والحقيقة في رسالة إعلامية ذات مصداقية لخدمة حقوق المتلقي العربي في أن يعلم، بما يلبي طموحاته في بناء الحق والعدل والحرية والتقدم.

وعلى هامش النظرة العلمية على الإعلام العربي التي وضعته في التقرير بين حالتين هما «التحول»، و«الانكشاف» في هذه المرحلة الهامة من مراحل التحول والانكشاف السياسي العربي، أسمح لنفسي بدوري أن ألقي نظرة شخصية على واقع الإعلام العربي إلى جانب النظرة الموضوعية للتقرير الإعلامي السنوي بأرقامه وحقائقه ونتائج دراسته الميدانية، أعرض فيها لما أراه واقعاً، ولما أتطلع إليه طامحاً، مقدراً لنادي دبي للصحافة جهده الإيجابي الإعلامي العربي والعالمي.

إذ أرى أن هذه التظاهرة الإعلامية العربية أهمية مضاعفة حيث تأتي بعد عام تقريباً على التظاهرات السياسية في عدد من الدول العربية هي تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، حملت كلها عنوان «الثورة»، بينما تنوعت في الواقع ما بين ثورة شعبية سلمية، ونصف ثورة ونصف انقلاب، وما بين تمرد مسلح هدد وحدة الوطن وتسبب في سفك الدماء وأساء لكل معاني الثورة، بإشعاله للحرب الأهلية بين أبناء الوطن.

ولما كانت « الثورة» هي العنوان المرفوع إعلاميا بغض النظر عن ما هو واقع سياسي على الأرض، ولما كانت وسائل الإعلام العربي والغربي المؤيد لهذه الثورات أو المنتقد لها بحسب أجندته السياسية وتبعاً لمصادره المالية، فلم يكن غريباً أن يحمل التقرير الإعلامي لهذا العام عنوان «ثورة الإعلام العربي» مواكبة لما يسمى بثورات الربيع العربي، مع الفارق بين ربيع أو صيف هنا وخريف أو شتاء هناك! ولأن بعض وسائل الإعلام العربي والغربي المعروفة والمكشوفة للمتلقي العربي لم يتسم بالقدر الكافي للنزاهة.

ولم يكن مجرد مرآة عاكسة أمينة للصورة بكل جوانبها في أحداث هذا الحراك الشعبي العربي السلمي أو الدموي، بحياد موضوعي يحترم الحق والحقيقة ويعرض الخبر والتقرير والصورة بمصداقية وموضوعية دون تحريف أو تزييف، ويقدم الرأي والرأي الآخر بعدالة ومهنية دون انحياز مسبق وأحكام جاهزة، ويحترم عقل المتلقي العربي والغربي، فلقد خسر الكثير من مصداقيته وموضوعيته وواجه الانكشاف!

ولأنها تحولت إلى شريك بالتمهيد وبالتحريض وبالتهديد أحياناً وبالتضليل وبالفبركة والتزوير أحياناً أخرى لخدمة الأجندة الموضوعة لها، فلقد وقعت في أحيان كثيرة في الخطيئة الكبرى حين قامت بالنظر إلى المشهد العربي بنظرة «عوراء» ترى الخطيئة هنا وتغمض عن الجناية هناك.

وبدور الدعاية المثيرة وليس بدور الإعلام المنير، وحين مارست حرباً دعائية في توافق مع التوجهات الغربية برؤية ذات اتجاه واحد، وبأحكام مسبقة على هذا النظام أو ذاك، أو على هذا الطرف أو ذاك لا تخدم في الواقع التوجهات العربية، فلقد تحولت من خدمة ما هو عربي إلى خدمة ما هو غربي!

وبينما ندرك جميعاً أن ما يجمع في الواقع بين أبناء الوطن الواحد بكل ألوان الطيف السياسي والديني والمذهبي فيه هو أكبر مما يفرقهم، وما يجمع ببين العرب والعرب وبين المسلمين والمسلمين هو أكثر مما يفرقهم في السياسة بصداها الإعلامي، فإن واجب الإعلام العربي إن كان يعمل حقاً خدمة للأجندة العربية لا الغربية هو التأكيد على ما يوحد والتغاضي عما يفرق، والتصدي للكبائر والتعالي عن الصغائر وأن يركز على الإنارة وليس على الإثارة، بدلا من التحول عن الدور أو الانكشاف أمام الجمهور.

وبدلاً من التحول أو الانكشاف بتخلي الإعلام عن حياديته وموضوعيته ومصداقيته بشن الحروب الإعلامية وصب الزيت على نار الفتن والخلافات، بدلاً من دوره الأصيل في تقريب المواقف وتعزيز التفاهم الوطني والقومي، فالمطلوب من الإعلام العربي الوقوف على مسافة متساوية بين كل سلطات وتيارات الوطن الواحد، وبين كل حكومات وتيارات الأمة الواحدة، وألا يسمح لنفسه بأن يكون صدى لمشروع استبدادي أو استعماري، قياماً بدوره التوحيدي وللتوفيق لا للتفريق، وللتعبير الحر والمسؤول للإخبار والتنوير، لا للإثارة أو التخدير!

وإذا كانت أزمة السياسة هي في حقيقتها هي أزمة ثقافية، وأزمة الإعلام في الواقع هي أزمة أخلاقية يكون المطلوب هو تثقيف السياسة واحترام الأخلاق،ولأن شرف الوسيلة ينبع من شرف الغاية، فلا يمكن أن توجد أهداف سياسية مشروعة بوسائل إعلامية غير مشروعة.

ولا وسائل مشروعة لأهداف غير مشروعة، أي أنه لا وسائل شريفة لغايات غير شريفة، والعكس صحيح. وفي النهاية تبقي القيم والغايات الإنسانية والأخلاقية الخيرة، في مواجهة القيم والغايات اللاإنسانية واللاأخلاقية الشريرة، هي معيار شرف ومشروعية الهدف السياسي والوسيلة الإعلامية معا.

 

Email