المسلمون وصعود اليمين المتطرف في أوروبا

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدا في المحكمة دون أن تظهر عليه أمارات الندم من مجزرة ارتكبها في حق 77 شخصاً معظمهم في ريعان شبابهم، بل تبجح بأنه ما عمل ذلك إلا إنقاذاً لأوروبا من خطر المسلمين، ومطالباً بـ"ثورة وطنية هدفها ترحيلهم عن القارة". هذا هو موقف الشاب النرويجي أندريس بيهرنغ بريفيك (33 عاماً)، الذي أفصح عنه أمام المحكمة تبريراً لفعلته الشنعاء.

والكل يعلم كيف كانت أجواء النرويج، بل أوربا قاطبة، قبل أن يلقى القبض على بريفيك، حيث وجهت أصابع الاتهام بشكل تلقائي إلى المسلمين، الذين يمثلون أقلية صغيرة في هذا البلد الشمالي، فهم لا يتجاوزون 2% من ملايينها الخمسة. وتنفس المسلمون الصعداء حينما تبين أن من قام بهذه الجريمة البشعة، إنما هو ابن أصلي لهذه البلاد، يمثل تياراً يمينياً منتشراً في كل أوروبا ويتخذ من المسلمين عدوه الأول.

ولعل الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية قد دقت ناقوس الخطر، إذ استطاعت ممثلة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبن، أن تحصد حوالي 18% من أصوات الناخبين الفرنسيين.

والمعروف عن لوبن موقفها المتشدد من الهجرة ومن المسلمين، وكان من تصريحاتها المشهورة تشبيهها صلاة المسلمين في الشوارع، بسبب قلة المساجد، بـ"الاحتلال النازي لفرنسا"! ووجهة نظر لوبن المتشددة تعكس النظرة العامة السائدة في أوروبا، وبالذات في فرنسا التي يعيش فيها 5 إلى 6 ملايين مسلم، وألمانيا التي تضم 4 ملايين مسلماً أيضاً.

فقد أظهر استطلاع للرأي في كلا البلدين قبل أكثر من عام، تبعاً لما نشره موقع فضائية فرنسا 24 في الرابع من يناير 2011، أن حوالي 40% ممن استطلعت آراؤهم في البلدين رأوا أن المسلمين يشكلون "تهديداً"، وحوالي 68% من هؤلاء من الفرنسيين و75% من الألمان رأوا أن المسلمين لم يندمجوا في مجتمعهم الأوروبي الجديد.

وفي سياق الاندماج الاجتماعي، نشر مسؤول سابق في البنك المركزي الألماني، واسمه ثيلو سارازين، كتاباً عن الهجرة ذاع صيته إذ بيع منه مليون وربع المليون نسخة، انتقد فيه مقاومة المهاجرين المسلمين للاندماج في المجتمع الأوروبي. وقد ردد صدى هذا الرأي كبار قادة أوروبا، وعلى رأسهم ساركوزي وميركل وديفيد كاميرون البريطاني، حينما اعتبروا أن "التعددية الثقافية قد فشلت" (نفس المصدر، 11/2/2011 )! ومن المعروف أن التعددية الثقافية هي السياسية التي تتباهى بها الدول ذات الأنظمة الليبرالية، كمظهر من مظاهر الحرية الدينية التي يتمتع بها مواطنوها والمقيمون داخل أراضيها.

والحق أن ثمة إشكالية في الدول الأوروبية في ما يخص الهجرة، سواء من البلاد الإسلامية أو غيرها، فواقع النمو السكاني السلبي وعدم رغبة الأوروبيين في الإنجاب، تجعل من أوروبا الغربية بالذات، قارة "شائخة"، مما يفرض عليها الاستعانة بالعمالة الوافدة. ورغم الأزمة الاقتصادية، فإن ألمانيا على سبيل المثال، تحتاج إلى 200 ألف مهاجر سنوياً لسد عجزها من الأيدي العاملة الماهرة.

ولا شك أن صعود اليمين ونزعته المعادية للمهاجرين المسلمين تحديداً في هذه المرحلة التاريخية، إنما يعود لكثير من العوامل من قبيل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بكبريات اقتصادات أوروبا، غير أن المشجب الذي بات يعلق عليه هؤلاء مشاكلهم، أصبح وجود المسلمين وممارساتهم التي يراها الكثيرون في هذه الدول لا تتماشى مع التقاليد الليبرالية الأوروبية ومع الروح القومية السائدة في هذه الدول.

وقد أججت تلك المشاعر العمليات الإرهابية، بدءاً من حادثة الحادي عشر من سبتمبر التي مضى عليها أكثر من عقد، إلى أعمال القتل التي ارتكبت مؤخراً في مدينة تولوز الفرنسية على يد أحد أبناء المسلمين. فالإرهاب الذي ضرب أوروبا جاء للأسف باسم الإسلام، فأظهر هذا الدين وكأنه دين حرب وعنف في نظر الشارع الغربي عموماً.

وبناء على تلك المعطيات، أصبح الشارع الأوروبي وسياسيوه حساسين لكل تصرف كانوا "يغضون الطرف عنه" في ما سبق، من قبيل الصلاة في الشوارع، أو لبس النقاب، الذي منعته عدة دول أوروبية كانت فرنسا آخرها، أو ما يتداوله السياسيون الألمان هذه الأيام، حول قيام جماعة سلفية متشددة بتوزيع القرآن الكريم في كل من ألمانيا والنمسا وسويسرا.

واعتراض هؤلاء (كما تقول دير شبيغل 12/4)، ليس على عمل هؤلاء، بل على أشخاصهم، إذ إن زعيم تلك الجماعة شخص تشتبه السلطات في تشدده وذو سوابق، فضلاً عن ضيق صدر هذه المجموعة بمن ينتقد ما تقوم به وتهديدها لهم عبر التويتر.

خلاصة القول، إن صعود اليمين يشكل تهديداً لكل الجاليات في المهجر الأوروبي، لكنه يخص أكثر ما يخص الجالية المسلمة في هذه المرحلة التاريخية، وبالتالي فإن علاج ذلك هو أن تتكاتف قوى الجاليات الإسلامية المستنيرة مع الجماعات التقدمية والإنسانية والداعمة لحقوق الإنسان، وإقامة جبهة عريضة لتقف كسد أمام المد اليميني.. أما تقوقع المسلمين على أنفسهم فهو الخطر الماحق لهم.

Email