الموجة اليمينية المتطرفة في فرنسا

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل يقيم الفرنسيون «حفل الشاي» الخاص بهم؟ هذا ما قد يعتقده أي شخص يطلع على نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. ولكن، كما هي الحال بالنسبة لكثير من المسائل الفرنسية، فإن الواقع في غاية التعقيد.

 لقد أسفر التصويت الأخير عن خروج جميع المرشحين، باستثناء اللذين توقع لهما أن يتنافسا في جولة الأحد المقبل (6 مايو)، وهما الاشتراكي فرانسوا هولاند (28.6%) والرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي (27.2%).

ولكن ليست هذه هي القصة، فالخبر الأكثر إثارة للدهشة، هو نسبة الـ17.9% التي حصلت عليها مارين لوبن رئيسة حزب الجبهة الوطنية.

وتلك النسبة تفوق الـ16.9% التي حصل عليها والدها جان ماري، عندما تسبب في خروج المرشح الاشتراكي في الجولة الأولى من انتخابات عام 2002، لمواجهة الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك في الجولة النهائية.

ما السبب وراء أداء لوبن المثير للدهشة؟ ما طبيعة المشاعر التي تثيرها؟ من أنصارها؟

دعونا نكبر الصورة قليلاً، لكي نفهم الموضوع بشكل أفضل.

لقد قمت مؤخراً بمناقشة مسألة التطرف في أوروبا على شاشة التلفزيون الروسي، وذلك في إطار قضية أندرس بريفيك، التي يجري حالياً البت فيها في النرويج.

ففي الصيف الماضي، أقدم بريفيك على قتل عشرات الأشخاص في مخيم للشباب يرتبط بحزب العمال النرويجي ذي الميول اليسارية، والذي يحمله بريفيك مسؤولية سياسات الهجرة الموالية للمسلمين.

وجادل أحد معارضيّ في النقاش، بأن بريفيك يمثل اتجاهاً غربياً مثيراً للقلق، بدءاً من الشعبية المتزايدة للأحزاب «اليمينية المتطرفة» في أوروبا، ووصولاً إلى حركة حزب الشاي الأميركية.

وبصرف النظر عن حقيقة أن بريفيك لم يسبق له الاتصال بحزب الشاي، فقد أشرت إلى أنه لا ينبغي لنا الخلط بين الانتقادات المشروعة والقوية للمبادرات السياسية الحالية، وبين أعمال عنف ارتكبها ناشز سلوكي واحد.

ولو أن شخصاً أطلق هذا النوع من الأحكام الشمولية على المتعصبين العنيفين من غير الغربيين، لتعرض للانتقاد واللوم، إن لم يكن للرقابة أو المقاضاة. ومع ذلك، فإن البعض لا يمانعون في تصوير شخص ما يحمل آراء يمينية مدروسة، على أنه يوشك على فقد أعصابه، وهو ما يمثل عادة وسيلة لدحض حجة منطقية، حتى قبل أن يتم إجراء تقييم شامل لمزاياها.

وهذه المحاولة، السائدة على نحو متزايد، لتهميش الأشخاص الذين لا يلتزمون بوجهات النظر الماركسية من الناحية الثقافية، هي بالضبط ما يدفعهم إلى مساندة الكيانات الديمقراطية (مثل حزب الجبهة الوطنية)، التي تمنحهم تصويتاً عاماً حقيقياً. وتلك هي طريقة سير الأمور في المجتمعات المدنية.

وما المفزع في ذلك؟ إذا ما تم إسكات النقاش حول هذه القضايا أو تهميشه، فإن الأحزاب التي تناصر هذه المخاوف، ستصبح بمثابة صمامات للضغط، وستحظى بشعبية متزايدة، وذلك يفسر جزئياً الرقم الانتخابي القياسي الذي سجله حزب الجبهة الوطنية، ولكنه لا يمثل القصة كاملة.

وسيكون من الخطأ الاعتقاد بأن «اليمين المتطرف» في فرنسا، يؤيد الحكومة المحدودة والسوق الحرة. فالجبهة الوطنية تنتقد اللامركزية، وتدعو إلى تشكيل حكومة اتحادية قوية، وتشكو من أن التشريع الأوروبي يحتم التجارة التنافسية، ويمنع الحكومة الفرنسية من مساعدة الشركات مالياً، ما يعيق «الوطنية الاقتصادية».

وذلك يجعل الحزب أقرب إلى روسيا منه إلى حزب الشاي، أليس كذلك؟ تحت خيمة الجبهة الوطنية السياسية، يجد المرء نفسه أمام بوفيه سياسي يتألف مما هو أكثر بكثير من مجرد معركة ضد الماركسية الثقافية. فهنالك شيء لكل من القوميين والاشتراكيين والحمائيين ومناهضي النخبة، ولكن لا شيء لدعم السوق الحرة والحكومة المحدودة.

وعندما تنتقد لوبن ليبرالية ساركوزي المتطرفة، فإنها لا تقصد اليسارية، إذ إن «الليبرالية» في أوروبا لا تعني «اليسارية»، كما هي الحال في أميركا. وفي المقابل، فإنها تشير إلى نوع من الليبرالية الكلاسيكية، التي سادت في أميركا في القرن التاسع عشر، وتم تجسيدها من قبل أبطال يمينيين تحرريين، مثل ميلتون فريدمان وفريدريك حايك.

وبصفتي محافظة مؤيدة للحكومة المحدودة والسوق الحرة، عملت في مرحلة من المراحل مديرة لمؤسسة فكرية جمهورية، فإنني أعتبر «ليبرالية» في فرنسا. فكم شخصاً داخل حزب لوبن يلتزم بسياسات مشابهة لسياساتي، إلى درجة أنه سيصوت لمصلحة ساركوزي في الجولة النهائية؟

بناء على تحليلات مختلفة، فإنني سأراهن على ما لا يزيد على النصف، مع دعم البقية للمرشح الاشتراكي. وقد يجادل المرء بأن حقيقة أن أداء التروتسكي السابق جان لوك ميلاينشون كان أسوأ من المتوقع، وأن أداء المرشح الاشتراكي جاء مطابقاً للتوقعات، كانت هي السبب في أن حزب لوبن «اليميني المتطرف» حصد بعض الشيوعيين المؤيدين للتدخل الحكومي في الجولة الأولى.

لقد قال بلاز باسكال ذات مرة، مقتبساً عبارة شهيرة لمونتسكيو: «ما يصح على أحد جانبي جبال البرانس، لا يصح على الجانب الآخر». وذلك قول مأثور، مناسب في الوقت الذي يحاول الأميركيون فهم السياسة الكامنة وراء هذا المشهد الانتخابي الفرنسي الدرامي.

Email