منتدى الإعلام العربي وقيادة التغيير

ت + ت - الحجم الطبيعي

أيام قليلة تفصلنا عن منتدى الإعلام العربي في دورته الحادية عشرة، ذاك الحدث العربي الإعلامي الجماهيري النخبوي بامتياز، الذي تحتضنه دبي بريادة أحد عشر عاماً من الالتزام والحضور على الساحة العربية، وبرعاية كريمة دؤوبة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وبمشاركة أرباب الفكر الإعلامي العربي، مشاركين ومتحدثين لتبادل زوايا النظر في رؤيتهم لواقع مجتمعاتنا وآمالها وطموحاتها ومتطلبات المرحلة.

ومنذ أن وضع المنتدى حجر أساس انطلاقه قبل عقد من الزمن، وهو يسير بخط نجاح يرتقي من دورة إلى دورة، ويستمد نجاحه من تزامنية معطياته ومحاور نقاشه وجلساته مع واقع الأمة العربية وحضورها العالمي، ويدنو بعقل الإعلامي المتنور من أبرز القضايا الشائكة في فضاء السياسة والمجتمع والإعلام والاقتصاد، ليقدم جرعات تحليلية ونقدية، ويوصي بحلول تضيق فجوة التقصير في الانطلاق نحو التنمية وترأب الصدع في مسيرة النهضة.

ولا شك أن المنتدى يأتي هذا العام وسط متغيرات عربية، قلبت الكثير من الثوابت في معادلات السياسة والنخب المجتمعية، ووضعت الإعلام العربي أمام قفزات جماهيرية مفاجئة، استدعته شاهداً على التغيير أو محركاً أساسياً ورافداً له، أو محاكماً له أمام رغبة المجتمع وتطلعاته وسباقه نحو التغيير.

ولقد كانت الأحداث العربية، مع حضورها الجماهيري العربي الممتد أفقياً ورأسياً في شتى المجتمعات، كفيلة بزلزلة المياه الراكدة والأركان الهشة في معادلات العمل الإعلامي الرتيب، ووضعت الإعلام أمام حل وحيد لكي يضمن البقاء جماهيرياً، وهو مواكبة الأحداث السريعة المباغتة، التي يحملها كل يوم بما يشبه العواصف الهوجاء التي لا تعرف لها مبتدأ أو مستقراً، وإلا كانت مهملة منسية أمام فورة الإعلام الجديد التي حملتها الشبكة العنكبوتية والتكنولوجيا الحديثة.

وعلى الضفة الأخرى من موازين المجتمع، كانت تقف النخب الثقافية والإعلامية باختلاف مراكزها ومستوياتها، فغيرت هذه الأحداث من التركيبات الاجتماعية والثقافية والسياسية، وانكشف الواقع عن فجوات كبيرة بين النخب والجماهير، حتى قال بعض المفكرين إن الجماهير اليوم هي التي تقود النخب، وليس العكس كما عرفت البشرية منذ القدم.

وها هنا يأتي منتدى الإعلام العربي في دورته الحادية عشرة في دبي، عبر حضوره الفكري النخبوي الكبير الذي يزيد على الألفي إعلامي، ليجيب عن هذه المشكلات الإعلامية، ويضع الأسس للمصالحة بين الإعلام العربي وبين الجماهير والنخب، لتعيد رسم خريطة النهضة والتنمية على أكمل وجه.

والحديث عن النهضة والتنمية في وطننا العربي، تعلو نبرته كل يوم في ظل المتغيرات الأخيرة، مما يجعل الفرصة مواتية في أفضل صورها لاقتناص ثمرات هذه المرحلة، والتأسيس للمشاريع التنموية والقفزات الحضارية التي تعيد رسم خارطة المجتمعات العربية في المستقبل، لتكون أهلاً لاستقبال نتائج التغيير.

وها هنا يأتي الدور الكبير للإعلام العربي في صياغة رسالة اجتماعية، تقترب من قضايا التنمية والنهضة، وتؤطر أسسها وتعيد تثبيت دعائمها القادرة على السير بها نحو أهدافها. ولعل أهم وأبرز هذه الأسس الفكرية والإعلامية للنهضة، هو التركيز على الحريات على امتداد معناها وانتشار أغصانها وأوراقها التي تظلل مسارات المجتمع، وعلى رأسها بلا شك الحرية الإعلامية الحقيقية التي تؤمن برسالتها ورؤيتها.

حيث لم يعد بالإمكان المواربة واستغفال الشعوب، فالوعي عند كلا الطرفين؛ الملقي والمتلقي، يفرض درجة عالية من المهنية يتحتم معها نسيان الطرق التقليدية القديمة، في إيصال المعلومة أو إيرادها والسرعة في تحليلها وتوثيقها، فالحركة المعرفية الإعلامية السريعة تسقط المترددين من أمامها وتلغيهم من حساباتها، وما يضمن نجاح هذه الخطة الإعلامية الواعدة، هو تبنيها للدعوة إلى المعرفة والعلم كزاد حقيقي لبناء المجتمعات، ولا تستطيع الاستغناء عنه ما دامت ترغب في الحضور والنهضة واستدامة التنمية.

واحتضان دبي لمنتدى الإعلام العربي لأكثر من عقد من الزمن، والحرص عليه والتأكيد على أهميته عبر اهتمام مباشر ورعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، فيه رسالة واضحة على أهلية الإمارات لاحتضان مخططات التنمية الجماهيرية والريادة الإعلامية عبر جميع قنواتها، لما تحظى به الإمارات من فضاء واسع وهامش كبير لزاد الحريات والمعرفة، كفيل بأن يتيح المجال لتقديم أفضل الرؤى لخدمة العمل العربي الجماهيري في التنمية والنهضة على جميع المستويات، ورعاية خطط التطور الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والإعلامي، في امتداد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، والنظر إلى خصوصيات المجتمعات وما يناسبها من تغيير يضمن تحقيق أعلى درجات الارتقاء في سلم النهضة، كما تريد الشعوب والنخب، وكما تفرض متطلبات المشهد العربي الجديد.

Email