البطالة بين مواطنينا

ت + ت - الحجم الطبيعي

نشر موقع "أرقام"، وهو موقع يهتم أساساً بالبيانات الاقتصادية، خبراً في 24/3/2012 يقول فيه: "أقدم شاب في العقد الثالث من العمر على الانتحار يوم أمس في منطقة القصيم، وذلك بإطلاق النار على نفسه من مسدس. والشاب المنتحر خريج الكلية الصحية تخصص صيدلة وهو عاطل عن العمل". وتضيف: "يشار إلى أن حادثة مشابهة وقعت الأسبوع الماضي، عندما أقدم شاب في مدينة عرعر على الانتحار بشنق نفسه، وذلك لعدم حصوله على وظيفة، حيث كان المنتحر خريج المعهد الصحي تخصص تمريض". ونشرت "البيان" في التاريخ ذاته، قصة مأساوية لشاب سعودي يسكن في سيارته ويعيش بمئتي ريال!

ولعل خطبة الجمعة التي ألقاها إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد (في نفس التاريخ) في الحرم المكي، جاءت لتدق ناقوس الخطر "من مشكلة الفقر والفقراء" وأبرز أسبابها البطالة، غير أن الشيخ صالح وضع إصبعه على موطن من مواطن المشكلة وأحد حلولها، حينما دعا الشباب إلى "العمل في كل المهن الشريفة وعدم احتقار بعض الأعمال". وما طرحه فضيلة الشيخ من حل، هو ما تتبناه كل الدول الخليجية منذ مدة، وهو "سياسة الإحلال أو التوطين" وبنجاحات متفاوتة.

فمشكلة البطالة، وبالذات "بطالة الشباب"، وتحديداً بين سني 25-35، هي مشكلة عامة في الوطن العربي، كما ألمح الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، والذي أعطي رقماً ـ أظنه متواضعاً ـ لعدد العاطلين عن العمل، وهو فوق الأربعة عشر مليوناً بقليل (البيان، 13/4).

لكن، إذا كانت البطالة في البلاد العربية غير النفطية وغير الخليجية لها أسبابها الوجيهة، وتتلخص في عدد السكان الكبير وزيادتهم المطردة، قياساً إلى حجم الموارد الطبيعية وضعف التصنيع واعتماد الزراعة على الأساليب التقليدية، فإن بطالة المجتمعات العربية الخليجية هي بطالة من نوع آخر.

فمجتمعات الخليج العربي مجتمعات مستوردة للعمالة، وهؤلاء يشكلون السواد الأعظم من قوة عملها في مجالات كثيرة، وهي مجتمعات تبعاً لذلك تعاني من خلل في تركيبتها السكانية منذ أن تفجر النفط من باطن أراضيها، فكيف يكون والحال هذه، من بين أبنائها من يبحث عن عمل فلا يجده؟! هذا ما يقوله المنطق، أما واقع الحال فيشير إلى أن ثمة 10% من قوة العمل السعودية عاطلة عن العمل (448 ألف مواطن ومواطنة)، والأرقام على ذمة جريدتنا الغراء "البيان" (17/4). وتنخفض هذه النسبة في الدول الأخرى من 6% إلى أقل من واحد في المئة، وتحظى بهذه النسبة المنخفضة قطر، حسب ما جاء في جريدة "الوطن" الكويتية (5/2) نقلاً عن تقرير لمنظمة العمل الدولية.

والتقرير الأخير يشير إلى أرقام مقلقة، لا بد أن نتوقف عندها. فهو يتوقع دخول أربعة ملايين مواطن إلى سوق العمل خلال السنوات الخمس المقبلة، وأن أعداد المواطنين الخليجيين العاطلين عن العمل ـ وهذا هو المهم ـ ستتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين شخص في نفس المدة، في حال استمرت اتجاهات سوق العمل عند المستويات الحالية! ومربط الفرس ما يضيفه التقرير قائلاً: "وقد وفرت دول مجلس التعاون الخليجي حوالي سبعة ملايين وظيفة خلال العقد الماضي، ذهب أقل من مليونين منها إلى المواطنين، الأمر الذي يؤكد أن مشكلة البطالة ليست نتيجة لنقص الوظائف".

وهنا تكمن الحقيقة المرة، فمجالات العمل موجودة في مجتمعاتنا، لكن مواطنينا يتكدسون في الوظائف الحكومية ليصل عددهم إلى خمسة ملايين في العام 2010، حيث تجذبهم الوظيفة الحكومية بامتيازاتها المختلفة.

وحتى في القطاع الحكومي، فإن المواطنين في الأعم الأغلب يتحاشون المهن الفنية، ويتزاحمون في الأعمال الإدارية. وهذا بالطبع، بسبب النظرة الاجتماعية المفضلة للأعمال الإدارية التي تصنف كأعمال للـ"كشخة"، وتلك النظرة المتدنية للأعمال المهنية. وسببها أيضاً، عدم حصول أصحاب الأعمال الفنية العاملين في القطاع الحكومي، على امتيازات واضحة تدفع شبابنا إلى البحث عن مثل تلك الوظائف.

وتتجه قلة قليلة إلى العمل الحر، أو العمل في القطاع الخاص، فالعمل الحر يتطلب روح المبادرة التي لا بد أن نغرسها في نفوس ناشئتنا عبر نظم تعليمنا. أما العمل في القطاع الخاص فإنه يتطلب تشجيعاً ودعماً رسميا للعمالة الوطنية، فهذا القطاع يهدف في نهاية المطاف إلى الربح، ومن يعمل فيه يحتاج إلى تحمل مشقات العمل ومتطلباته. ولعل قطاع المصارف هو الأكثر نجاحاً في استقطاب العمالة الوطنية في منطقتنا، حيث تشير الأرقام إلى نجاحات ملحوظة.

خلاصة القول، أننا في مجتمعات الخليج العربي بحاجة إلى عمل الكثير لكي لا تستفحل ظاهرة البطالة، التي أضحت هاجساً لشبابنا.

وإذا كنا قد سرنا خلال نصف القرن الماضي على أن الدولة قادرة على أن تستوعب الطاقة الوطنية في مؤسساتها، فإن واقع الحال يدعونا إلى تنويع مصادر العمل، بمحاربة الأفكار البالية التي تحقر من شأن بعض الأعمال، وأيضاً بتطوير مناهجنا التربوية لكي تساير التوجهات التنموية القائمة في دولنا.

 

Email