الخصوبة و آثارها على التركيبة السكانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أشار إلى انخفاض خصوبة المواطنات في السنوات الخمس الماضية، ولا يخفي على المهتم الترابط والتلازم بين الظاهرتين وعلاقتهما بواقع التركيبة السكانية لمجتمع الإمارات، وهي من القضايا الشائكة التي استعصى حلها مع كثرة اللجان التي انعقدت وانفضت.

ولم تتوصل إلى مؤشر واحد يمكن أن يقود لحلول جذرية لإحدى أكبر المعضلات، التي تؤرق المسؤولين والمواطنين سواء بسواء، نظراً لمضاعفاتها الاجتماعية والأمنية والاقتصادية والسياسية على مجتمعنا، الذي ما زال يعاني ضموراً في الوضع السكاني، بينما يفوق عدد الوافدين بكثير عدد المواطنين، وهو وضع شاذ بجميع المعايير ويتطلب مجدداً وقفة وحلولاً.

وكما هو معلوم، تعتبر زيادة الإنجاب بين المواطنين أحد أهم العوامل التي يمكنها تصحيح شكل الهرم السكاني في مجتمعنا. ويبقى السؤال؛ كيف يمكن إنجاب مزيد من الأبناء مع تدني خصوبة المواطنات في سن الزواج؟ فالإحصائيات المتاحة من تقرير نساء العالم 2010، تشير إلى أن معدل خصوبة المرأة الإماراتية تدنى بشكل لافت على مدى السنوات الخمس الماضية، وأمكن حصر أربعة عوامل رئيسية هي المسببة لهذه الظاهرة، يمكن تلخيصها في الآتي:

1. تأخر سن الزواج لمن هن في سن الخصوبة المثالية.

2. اهتمام المرأة بالتعليم والتطور المهني أكثر من الحياة الأسرية.

3. الإصابة بأمراض الراحة، كالسمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم.

ونتيجة للأسباب أعلاه وأسباب أخرى اجتماعية ونفسية وهرمونية، تراجعت معدلات الخصوبة لدى المواطنات من 5.2 لكل امرأة بين عامي 80 و1985، إلى 1.5 خلال الخمسة أعوام الماضية، أي وصل إلى دون النصف، ليمثل أدنى معدل بين الدول الخليجية، وهذا هو مكمن الخطر!

وتشير الدراسات الديمغرافية (السكانية) إلى أن تفشي ظاهرة الطلاق بين الشباب وفي سن مبكرة بعد الزواج، ينهي تماماً فرص الإنجاب لدى الأسرة الشابة. وبمقارنة أوضاع الأسرة الإماراتية قبل اكتشاف النفط وبعد مرور أربعين عاماً على قيام الدولة، يتأكد أن معدل الخصوبة في الأسرة الخليجية التقليدية كان مرتفعاً جداً، رغم انخفاض مستوى المعيشة في الماضي.

فرغم ظروف القحط والفقر المدقع الذي كان شائعاً، وتفرغ المرأة التام لتربية الأطفال والمهام المنزلية، وحركتها اليومية لجلب الماء وتربية صغار الحيوانات، ومهام أخرى كانت تقوم بها أثناء غياب الرجال في رحلات الصيد، فقد تمكنت المرأة من القيام بكل وظائفها.. كما أن الزواج المبكر كان سائداً، مما جعل فترة الخصوبة لدى المرأة تمتد لسنوات، فيكون بوسعها إنجاب العديد من الأبناء الذين تتكفل بهم وترعاهم الأسرة الممتدة.

وقد أشار إلى ذلك الدكتور زهير حطب، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت، في كتابه عن الأسرة العربية، إذ أكد أن الأسرة العشائرية التقليدية الممتدة كانت أكثر تماسكاً من الأسرة النواة، ويعزى ذلك إلى أنها كانت أسرة منتجة، على خلاف الأسرة النواة التي تحولت بسبب الرخاء الاقتصادي إلى أسرة استهلاكية، تخلت تماماً عن سبل كسب عيشها التقليدي.

كما أن الاعتماد على خدم المنازل من طهاة وسائقين وغيرهم، أقعد المرأة عن العمل والحركة، إلا في أضيق نطاق، مما عرضها للسمنة المفرطة. ويرى د. حطب أنه من المستحيل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أو العودة بالأسرة الحضرية المقيمة منذ أربعة عقود في المدن والمراكز الحضرية، لتعيش كما كانت تعيش في الماضي..

كما يبدو عسيراً أن تغير الأسرة المواطنة نمط عيشها أو أسلوب حياة اعتادت علية طوال أربعة عقود. ومن ثم فإنه، حسبما أرى، لا يمكن إيجاد حلول حاسمة للمشكلات المتسببة في انخفاض خصوبة المواطنات، إلا بتكاتف جهود الجهات الرسمية ذات العلاقة، كوزارة الصحة ومراكز التنمية الاجتماعية والاتحاد النسائي العام والجمعيات المنضوية تحت مظلته، مع مشاركة المجلس الأعلى للأسرة للقيام بحملات توعية .

وإرشاد أسري على مستوى الدولة، وبرعاية وشراكة استراتيجية مع كل الجمعيات ذات النفع العام، وذلك للتعريف بالآثار التي تترتب على تدني الخصوبة لدى المواطنات وانعكاساتها على حاضر ومستقبل الواقع السكاني في الدولة.

ونحن إذ نقرع أجراس الخطر، نسوق هذا الحديث لكل الجهات المعنية، بما فيها اللجنة العليا للتركيبة السكانية، لاتخاذ التدابير الوقائية اللازمة قبل أن يلحق بمجتمعنا ما يعاني منه بعض الدول الأوروبية، التي أخذ يتداعى فيها النظام الأسري بسبب حالة التشرذم الذي طال الأسرة، وألحق أضراراً بالبناء الاجتماعي.

لعدم رغبة الشباب في إنجاب أطفال والحياة تحت شعار "أسرة بلا أطفال"، ذلك أن تراجع معدل الخصوبة في أي مجتمع، يلحق بالضرورة اختلالاً بالهرم السكاني ويؤثر سلباً على كل الجهود المبذولة لتنمية الموارد البشرية المواطنة، والدول لا تنهض إلا بجهود بنيها، جيلاً بعد جيل.

 

Email