منتدى الإعلام العربي من التغيير إلى الانكشاف

ت + ت - الحجم الطبيعي

تنطلق خلال أيام معدودات من الشهر المقبل، فعاليات حدث بات من أهم الأحداث الإعلامية على مستوى المنطقة العربية كافة، وهو منتدى الإعلام العربي في دبي، الذي استطاع خلال السنوات الماضية أن يحفر لنفسه مكانة متفردة على الساحة الإعلامية.

 ورغم اختلاف طبيعة المنتديات الثقافية أو الإعلامية عن باقي المهرجانات والمنتديات الفنية في درجة الذيوع والانتشار والجماهيرية؛ نظرا لخشونتها الفكرية وصرامة موضوعاتها، إلا أن منتدى الإعلام العربي في دبي استطاع أن يحقق المعادلة الصعبة في الجمع بين الجدية الشديدة في منتدى لا يتضمن جدول أعماله مظاهر ترفيهية، وبين الجماهيرية الشديدة التي جعلت الإعلاميين ومؤسسات وطلبة الإعلام والمهتمين والجمهور العام، ينتظرون منذ اليوم الختامي للدورة الفائتة فعاليات الدورة الجديدة.

والحق أن ذلك مرجعه المساندة الكبيرة والدعم القوي من القيادة السياسية المتمثلة في صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وإيمانه الشديد بأهمية وسائل الإعلام ودورها في تشكيل وعي الشعوب والضمير الوطني، وأنه بصلاح الرسالة الإعلامية تصلح الفكرة، وبصلاح الفكرة يرشد السلوك، وبالسلوك الرشيد تكون إنجازات الأوطان ونجاحاتها. وهذا الدعم يتمثل كذلك في أبهى صوره، بافتتاح سموه للمنتدى، فضلا عن تشريفه الحفل الختامي.

ولا شك أن تواصل القيادة السياسية مع الإعلام والالتقاء بالإعلاميين، له دلالات لا تخطئها العين في تقدير الدور الإعلامي والإعلاميين وعظم رسالتهم، والرغبة في معرفة القضايا التي يتناولونها عبر اللقاء المباشر، وعدم الاكتفاء بمتابعتها فقط، وهو ما جعل المنتدى محط أنظار الرموز الإعلامية في العالم العربي.

ولا شك أن ما تقوم به إدارة المنتدى وفي مقدمتهم الأستاذة مريم الفهد، من إشراك طلبة الإعلام في تنظيم فعاليات هذا الحدث المهم، يجعلهم يستشعرون أنهم جزء أصيل منه وليسوا ضيوفا عليه، كما أن إشراكهم كان بمثابة فرز أولي تم من خلاله انتقاء عناصر فتية ذات قدرات متميزة، تم اختيارهم للعمل والاستعانة بهم بشكل دائم في مختلف الفعاليات الإعلامية.

وأحسنت إدارة المنتدى صنعا حين استمرت للدورة الثانية على التوالي - إن لم أكن مخطئا- في عقد جلسات لشباب وطلبة الإعلام، من منطلق أهمية الاستماع إلى أصواتهم، والتعرف إلى أفكارهم التي تعبر عن جيلهم وتطلعاتهم ورؤاهم، خاصة وأن القيادة السياسية في أعلى مستوياتها، تعول دائما على الشباب وتنظر إليهم باعتبارهم عز الوطن وذخره وطاقته التي لا تنفد.

وعلى الرغم من أن المنتدى يحظى بحضور كوكبة من الإعلاميين والإعلاميات على مستوى العالم العربي، إلا أنني أود أن تتسع دائرة الرؤية لتشمل شخصيات جديدة، وأن نجهد أنفسنا في النظر إلى أصحاب الإسهامات الإعلامية الجادة، حتى وإن لم تكن تحظى بحظ وافر من الشهرة بين الإعلاميين؛ حتى تجري في أوصال هذا الحدث الكبير دماء جديدة، بعيدا عن التنميط والتكرار، فيتحول المنتدى من مكان للتعبير عن حال الوطن العربي إعلاميا، إلى بيئة منتجة لإعلاميين جدد يأخذون دورهم على الساحة الإعلامية عبر بوابة المنتدى، مما يمثل إضافة نوعية للساحة الإعلامية العربية.

وفي تقديري أن من عوامل نجاح منتدى الإعلام العربي في دبي، تلك الجرأة في طرح القضايا الشائكة بمهنية عالية، في ظل ظروف غاية في الصعوبة والدقة يمر بها عالمنا العربي، غير أن تناول مختلف القضايا بصدق وواقعية أفضل من تجاهلها أو غض الطرف عنها وكأنها غير موجودة، وهو ما يكشف عنه بجلاء الشعار الذي تبنته الدورة العاشرة، وهو: "الإعلام العربي وعواصف التغيير"، والذي كان نتاج الحركة التي هزت الإعلام والشارع العربي منذ عام مضى، ويتبعها المنتدى هذا العام بشعار: "الانكشاف والتحول"، وهو ما يأتي في السياق ذاته ومتابعة لما بدأه في تناول ما يمر به الإعلام العربي، في مرحلة نبحث فيها عن هوية إعلامية لأمتنا بعيدا عن النمذجة والقولبة؛ لأن ما نمر به من ظروف يتطلب الإبداع في رسم خريطة للإعلام العربي من بنات أفكار أبنائه، دون التقيد بنمط أجنبي ينسب إليه الفضل في تحقيق أي إنجاز إعلامي عربي، ونحن على ذلك قادرون.

لذا أود في هذه الفترة العصيبة التي يمر بها إعلامنا العربي، وفي ظل حالة الارتباك التي تصيب المواطن العربي، وكذلك التخبط والضبابية في المشهد الإعلامي العربي الذي يعاني منه الإعلامي قبل المتابع، أن تطرح على مائدة البحث قضية "المصداقية في الإعلام العربي"، بمفهومها وآليات الوصول إليها ومعايير يمكن الاحتكام إليها عند الاختلاف. وهذه من القضايا المهمة في وقت باتت فيه القصص المتناقضة والمتنافرة والمتعارضة حول نفس الواقعة، تذاع وتكتب في وقت معا، حتى أن الصورة التي كنا نقول إنها الحقيقة، أصبح من الممكن استخدامها بأشكال متناقضة، في عصر بات بإمكان المواطن العادي أن يكون صحافيا.

وأتساءل: هل من المهنية أو الموضوعية نشر مقاطع لا يمكن الاستدلال على مدى صدقيتها والبناء عليها؟ ومن ذا الذي أعطى للإعلامي الجالس في الاستوديو الحق في إصدار أحكام حول أحداث يراها على الهواء مباشرة، دون أن ينتظر التقصي والتحقق؟ وهذا ما تقع فيه الصحف أحيانا، حيث تكتب بعنوان عريض "القبض على المتهمين في..."، قبل أن يتم إدانتهم أو التحقيق معهم بعد لمعرفة إذا كانوا متهمين أم لا! وهو ما لا يحدث في أي مكان آخر في العالم.

إنني أود أن يكون الشعار الذي رفعه المنتدى: "الانكشاف والتحول"، بداية حقيقية لواقع جديد لإعلامنا العربي، وتحولا حقيقيا في الكثير من جوانب الممارسات المهنية؛ ممارسة لا تعظم السبق والخبطات أو الفرقعات الإعلامية على حساب التقصي والتحقق والدقة، ممارسات لا تتعامل مع الإعلام كسلعة تجارية تخضع لقانون العرض والطلب، لاجتذاب أكبر كم من الإعلانات على حساب حق المواطن في المعرفة، ممارسات لا تبحث عن الجديد أيا كان على حساب المتابعة والتحليل، ممارسات يُحكِّم فيها الإعلامي ضميره المهني، ويجري عملية ضبط ذاتي الحَكَم فيها ضميره المهني، قبل قوة القانون وسطوته.

كما أتمنى أن يكون منتدى الإعلام العربي في دبي استراحة محارب، تتم فيها مراجعة الأدوار والممارسات الإعلامية، لتصبح وسائل الإعلام العربية الأداة التي يحصل من خلالها الجمهور على الحقيقة مجردة، ونافذة للمشاركة وإبداء الرأي والتعبير عن آماله ومعاناته، فضلا عن القيام بدوره في الإسهام في قضايا المجتمع وصناعة مستقبل وطنه. كما أود أن يكون المنتدى في دورته الجديدة صرخة توقظ الضمير الإعلامي؛ لأن إعلاماً بلا ضمير ينتج شعبا بلا وعي.

 

Email