جريمة محمد مراح من يدفع ثمنها؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يمكننا إلا أن نضع الفرنسي من أصل جزائري محمد مراح في زمرة المجرمين والإرهابيين الذين لا بد أن يلقوا أشد العقاب بما تقترف أياديهم القذرة من جرائم بحق الأبرياء.

فالمجاهدون والمناضلون إنما اكتسبوا تلك الألقاب الرفيعة لأنهم يدافعون عن الحق والعدل والإنصاف، ويدعون إلى أفكارهم ومعتقداتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وهم لا يجنحون إلى العنف واستخدام القوة إلا مكرهين، دفاعاً عن النفس والعرض والمال. وبالتالي، فإن مراح وأمثاله، مهما كانت مشاربهم الفكرية ودعواتهم العقائدية وشعاراتهم التي ارتكبوا جرائمهم تحت لوائها، سيوصمهم التاريخ بالخزي والعار.

ومحمد بن مراح قد بطر بالنعمة أو كما نشير إلى ذلك بلهجتنا الخليجية (رفس النعمة)، فهو لكون مسقط رأسه فرنسا ليس إلا، فقد استحق جنسيتها بصفة أصلية، وأضحى كأي مواطن تنحدر أصوله من قبائل القوط والوندال (سكان فرنسا الأصليين)، له حقوق مثلهم، وبالطبع عليه واجبات كما عليهم، لدرجة أن المراح هذا كان يمكن أن يكون كرئيسه ساركوزي يتقلد أعلى منصب في الجمهورية الفرنسية، لو عمل له.

فساركوزي هو ابن لمهاجر هنغاري لجأ إلى فرنسا بعد تغير النظام فيها عقب الحرب العالمية الثانية!! ولماذا لا يكون ساركوزي مثالاً له في الجد والمثابرة بدلاً من بن لادن في القتل والتدمير؟!!

والغِّر محمد مراح الذي لم يتجاوز عمره الرابعة والعشرين، لم يعلم من أمر فرنسا سوى أنها دولة كافرة ومجتمع منحل، تظهر فيه صدور وزنود وسيقان النساء عارية، ولم ير في حياة هذا المجتمع سوى المجون والتفسخ. ذلك أنه لم تسترع انتباهه وغيره من أقرانه ممن غذوه بالفكر المتطرف حينما كان مسجوناً لجنحة اقترفها، تاريخ هذا البلد ونضال أهلها في سبيل الحقوق التي نعم بها وقطف ثمارها هو وأمثاله من المتطرفين، بحيث استطاع أن يذهب إلى أفغانستان وباكستان ويدعي إنه ذهب للسياحة ولا تطارده الأجهزة الأمنية لأن فرنسا دولة نظام وقانون وليست دولة بوليسية يلاحق فيها المرء بالشبهات، كما قال وزير دفاعها الجنرال جيرارد لونجوي، بعد أن «وقع الفأس بالرأس»!

لم يدر بخلد محمد مراح وأضرابه معرفة شيء ولو يسير من تاريخ بلادهم فرنسا، عن الحروب الدينية التي ابتليت بها في مطالع العصر الحديث، التي امتدت من العام 1562 إلى 1594 ، إثر حركة الإصلاح الديني البروتستانتي التي انطلقت من ألمانيا لتنتشر في أرجاء أوروبا ومنها فرنسا، وتخللتها مذبحة بارثولوميو في العام 1572 والتي راح ضحيتها في أيام قلائل أكثر من ثلاثين ألفاً من الهوغونوت (وهم الفرنسيون الذين تخلوا عن الكاثوليكية واعتنقوا البروتستانتية). وما تلاها فيما بعد من حرب الثلاثين عاماً التي بدأت في 1618.

ثم ضَجر الجمهور الأوروبي ومثقفوه على وجه الخصوص بالحروب الدينية وما ساد بها من روح التعصب، وما خلقته من شقاق بين دول القارة، ومحاولة هؤلاء وضع حد لها في مؤتمر عقد في وستفاليا (1648). ومن المؤكد أن مراح حينما كان يذهب إلى المراكز الإسلامية في طول البلاد وعرضها ويتنقل بين جماعة متشددة وأخرى، لم يكن يدر بخلده أن تلك الحرية التي يتمتع بها هو شخصياً وخمسة ملايين مسلم يعيشون على أرض فرنسا، إنما هي ثمرة لنضال هذا الشعب ضد ذاك التعصب الديني والمذهبي وتلك الحروب المستعرة التي أكلت الأخضر واليابس والتي عانى منها أجداد سكان البلاد الأصليين.

وأن هذا الشعب قد توج نضاله الطويل بإقامة دولة ذات نظام علماني في العام 1905 تتيح لجميع مواطنيها وقاطنيها حرية العبادة والاعتقاد، وأن هذه الحرية البديهية ما زالت مطمحاً للملايين في أرجاء معمورتنا ومنها بعض الدول العربية والإسلامية.

وهو وأمثاله من ثلة المتعصبين لا يعلمون من أين أتت تلك الحرية والعزة والكرامة التي يرفلون في ظلها، فلولا كفاح هذا الشعب مع بقية شعوب أوروبا الغربية لبقي محمد مراح وغيره من الملايين «رعايا» يرث الابن مهنة أبيه ومكانته الاجتماعية، إلى أبد الآبدين، ولما أصبحوا «مواطنين» يتساوون في الفرص مع غيرهم من أبناء البلاد الأقحاح، وما عليهم إلا أن يشمروا عن سواعدهم ويعملوا بجد وإخلاص كي يصلوا إلى العلا.

ألم يقوض مفكرو هؤلاء القوم أركان النظام القديم حينما ابتدعوا نظريات العقد الاجتماعي والحقوق الطبيعية لتنطلق البشرية في دروب الحرية، وليتوجوا ذلك بثورة شعبية عارمة أعلنت شعارات الإخاء والمساواة والحرية التي لا زالت صداها تتردد في كل مكان. وهي ذات الشعارات التي كانت الشعوب المُستعمَرَة تحاسب بها الحكومات الفرنسية (التي انتكصت عن مبادئ ثورتها) تحاسبها في نضالها لنيل استقلالها؟!

إن ما أقدم عليه محمد مراح من فعل إجرامي وإرهابي يتعدى إيذاؤه شخصه الذي لاقى حتفه غير مأسوف عليه، ليشمل ملايين المسلمين الذين يعيشون في فرنسا وفي أوروبا بسلام، وليعطي مرة تلو الأخرى صورة قاتمة وغير حقيقية عن الإسلام، صورة لا بد أن تتضافر الجهود لمحوها من المخيلة الأوروبية.

Email