البطالة المواطنة.. بين الحلم والجريمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كم عدد العاطلين عن العمل من المواطنين في دولة الإمارات؟ الأرقام التي نجدها منشورة على الانترنت، قد لا تكون صحيحة أو لا تعكس الواقع. ولنفترض أن الرقم المعلن من قبل وزارة الاقتصاد، والذي يبلغ 43000، صحيح، فهل يعقل أن يوجد هذا الكم الهائل من المواطنين دون عمل؟ وهل نحن مدركون لمدى خطورة الأمر؟ هل المسألة أصبحت أمراً مبتذلًا كأي أمر من أمورنا اليومية..

كلا، فهذه القضية التي لا يمر يوم علينا دون أن نسمع أو نقرأ عنها في وسائل الإعلام الوطنية، وصلت إلى مستوى قد يؤدي إلى تراجع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بل حتى الأمنية في البلد.

واحدة من أبرز أولويات الغرب في ما يخص المجتمع والاقتصاد، هي حل قضايا البطالة لدى مواطنيه. ولذلك سرعان ما تتابع الدول الغربية وتعلن، وبشكل دوري وصريح ودون مغالطة، الخط البياني الذي يوضح صعود أو نزول رقم العاطلين عن العمل، قبل مناقشة أي أمر آخر. وإذا جاز للدول الغربية أن يوجد لديها هذا الكم الهائل من العاطلين عن العمل، فكيف يجوز لدول غنية نفطياً مثلنا؟

واحدة من النتائج المدمرة لوجود كم هائل من العاطلين عن العمل، هو توقف الجذور عن النمو. نحن لا يمكن أن نسمي النمو الاقتصادي بفضل كثافة الأيدي العاملة الأجنبية والآسيوية، نمواً. فهذا النمو من النوع الزائف، وقد يتوقف بين لحظة وأخرى، باعتبار أن جميع مدخرات هؤلاء تذهب إلى بلدانهم، التي تقوم بدورها باستثمارها لصالح مواطنيها.

ومن النتائج الأخرى المدمرة على المدى البعيد، تراجع النمو السكاني. فجيل الشباب الذين يمثلون نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل، لن يخاطروا بأنفسهم في تحمل مسؤولية وأعباء عائلة. وكثير من الشباب المواطن يؤجل موضوع الزواج، إلى حين الحصول على وظيفة تؤمن له المسكن والمأكل والمواصلات، دون الحديث عن اكسسوارات الحياة؛ كالسهر والسفر والسياحة.

ولا أعلم إن كانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لديها بيانات عن أعداد الشباب الذين فاتهم قطار الزواج نتيجة البطالة. وبالتالي، أصبحت كارثة "خلل التركيبة السكانية" في دولة الإمارات، ككرة الثلج تكبر وتكبر وتصبح أكثر تعقيداً ويصعب حلها، في الوقت الذي نشاهد فيه، في المقابل، صعوداً مطرداً لخط العمالة الأجنبية والآسيوية في الدولة، حتى لم يعد المواطن يمثل إلا نسبة تخجل منها النفس، وتستحق دولة الإمارات بالتالي أن توضع على أول صفحة من كتاب غينيس للأرقام القياسية في هذا الخصوص. بل إننا أصبحنا نادرة تتندر بها صحف العالم، في الوقت الذي قامت الدنيا في فرنسا ولم تقعد، عندما بلغت نسبة الأجانب 20 في المائة، ونسبة البطالة 9 في المائة! وقد يبدو هذا الرقم أيضاً غير صحيح، ولكن أعلن لزيادة الهلع لدى المواطن الفرنسي وتحذيره من مغبة الأمر.

بالطبع هناك علاقة وطيدة بين البطالة المواطنة وارتفاع نسبة العمالة الوافدة، خاصة وأن المؤسسات الأجنبية لا ترفض توظيف المواطن، ولكنها تقوم بعد ذلك بمضايقته حتى يفر، والمؤسسات الوطنية والحكومية مليئة بغير المواطنين. وبين المواطنين العاطلين عن العمل من هم أكثر من مؤهلين وأصحاب كفاءات لشغل هذه المناصب، على كل المستويات الإدارية والفنية وحتى الاستشارية.

نحن نفرض على المؤسسات الأجنبية أن تلتزم بتوظيف نسبة دنيا من المواطنين، غير أن هذه المؤسسات تتهرب من تطبيق هذه التعليمات. لا بأس، في هذه الحالة، يجب أن تفرض الدولة على هذه المؤسسات التي تبلغ أرباحها السنوية أرقاماً فلكية، أن تدفع شهرياً مبلغاً رمزياً يعادل راتب النسبة المفترض توظيفها من المواطنين. وهذه المبالغ تستخدم لإنشاء مشاريع محدودة، يقوم المواطنون بإدارتها شخصياً، دون الاعتماد على أية أيد عاملة أجنبية، علماً أن من بين العاطلين عن العمل من المواطنين، من لا يرفض حتى وظيفة سائق سيارة.

نحن لا نفرض على الشركات الأجنبية أي ضرائب باهظة كما يحصل في دول العالم، غير أننا قادرون على أن نفرض عليها أن يكون الشريك المواطن شريكاً بمعنى الكلمة، أو نشترط أن يكون نائب مدير المؤسسة مواطناً كفؤاً، وما أكثرهم. ولا يهاب أحد من أن تغلق هذه المؤسسات والشركات أبوابها، لأنها لن تجد أرضاً خصبة ومربحة للاستثمار كبلدنا. وإن رحلت، فهناك ألف مؤسسة أخرى غيرها ستحل محلها.

الحلول كثيرة، غير أن عدم اتخاذ القرار الصارم والسريع لحل قضية البطالة، سوف ينجم عنه تقلص في عدد السكان من المواطنين، وسوف يدفع الشباب العاطل عن العمل مع الوقت، إما إلى الإدمان أو إلى ارتكاب الجريمة لسد احتياجاته، أو في نهاية المطاف إلى الفوضى لكي يقضي على وقت الفراغ، في انتظار الوظيفة الحلم.

ترى، هل يتخيل أحد منا ما قد يجول في نفس المواطن العاطل عن العمل، عندما يشاهد أجنبياً أو آسيوياً يتباهى بنفسه وهو يقود أفخم المركبات في شوارع دولته، ويأكل في أفضل فنادقها، ويعيش في أروع فلل جزر النخلة؟ كوننا بعيدين عن المواطن العاطل عن العمل، لا يعني أن نكون بعيدين عن همومه وأفكاره وتخيلاته.

Email