حقبة الإسلاميين بين التطلعات والتحديات

ت + ت - الحجم الطبيعي

قطفت الأحزاب الإسلامية، وعلى الأخص جماعة الإخوان المسلمين، وهي أقدم الأحزاب الإسلامية وأكثرها انتشاراً وأحسنها تنظيماً، قطفت ثمار ثورات الربيع العربي دون أن تكون هي البادئة بإشعالها. ووجدت نفسها وهي بين ليلة وضحاها على سدة الحكم في أكثر من دولة عربية، ربما أهمها مصر، التي تحتل مكانة مركزية في دنيا العروبة. وهي على الأرجح ستحقق نفس النتائج في الدول التي ما زالت تعيش حالة الثورة ومخاضاتها، كما في اليمن وسوريا.

والحالة هذه لم تشمل تلك المجتمعات العربية التي شهدت ثورات، بل أيضاً تلك التي عرفت منذ وقت لا بأس به عمليات انتخاب، كما في الأردن والكويت والمغرب.

وصعود الإسلاميين إلى قمة هرم السلطة، أو تبوؤهم مكانة مرموقة ضمن مجموع القوى السياسية المكونة للمجتمع العربي، بالوسائل السلمية، ومساهمتهم ـ ولو المتأخرة ـ في إسقاط بعض الأنظمة عن طريق التظاهر والاعتصام والعصيان المدني، قد أسقط سلاح العنف (الجهاد) الذي كانت تدعو إليه جماعات إسلامية أخرى، وأبرزها تنظيم القاعدة.

فهذا التنظيم وجد نفسه معزولاً عن محيطه العربي بالذات، بعد أن حققت تلك الثورات السلمية ودون استخدام العنف، ثورات على أنظمة راسخة، وتبعتها بفوز كاسح في انتخاباتها النيابية.

فأول نتائج الربيع العربي وما جنته الحركات الإسلامية السياسية، أنها تخلصت من منافس لها كان يزايد عليها بمسألة الجهاد واستخدام العنف طريقاً لتحقيق الدولة الإسلامية.

وبالتالي، فإنها سحبت البساط من تحت التنظيمات الجهادية، على شاكلة تنظيم القاعدة وتفرعاته، بحيث أن هذه التنظيمات لم يعد لها "مبرر وجود"! وهذه ولا شك نقطة إيجابية، ذلك أن هذه التنظيمات قامت بترويع الناس وبث الفرقة الطائفية والدينية، وخلقت اصطفافاً دينياً ومذهبياً، الأمر الذي أدى إلى إضعاف الروح الوطنية. ولا شك أن ما ابتليت به نيجيريا مؤخراً من ظهور تنظيم "بوكو حرام"، خير دليل على ذلك. فالمجتمع النيجيري الغني بنفطه وثرواته الزراعية، يجد نفسه ـ كما وجد العراقيون أنفسهم وما زالوا ـ في صراع ديني عنيف، لا أحد يعلم متى ينتهي.

وكانت للإسلاميين العرب تجربة أخرى في الحكم، مختلفة كل الاختلاف عن تجربة الثورات السلمية وما تلاها من تجربة صناديق الاقتراع، وهي الانقضاض على السلطة بواسطة الدبابات، كما حدث في تحالف البشير والترابي، وافتراقهما فيما بعد.

وكانت نتيجة هذه التجربة استمرار حرب الجنوب، وانسلاخه فيما بعد عن دولة السودان وتأسيس دولة إفريقية جديدة. ولعل السبب كان تلك السياسات التي اتخذتها الحكومة السودانية الدينية، ورفعها راية "الجهاد" و"تطبيق الشريعة" على أهل الجنوب، الذين يدينون بالمسيحية وبديانات أخرى. وكانت نتيجة تلك الحرب، زهق أرواح الآلاف المؤلفة من الأبرياء، عدا الجرحى والمنكوبين الذين يصعب إحصاؤهم، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية وانفصال الجنوب وظهور مشكلة دارفور!

إن الربيع العربي الذي قطف الإسلاميون وسيقطفون ثماره، قد وضعهم أمام تحديات تاريخية لم يشعروا بها منذ سقوط الخلافة العثمانية على يد أتاتورك في العام 1924، وهي أنهم كيف سيديرون بلداناً ذات إمكانيات اقتصادية متفاوتة؟

إن حزب العدالة والتنمية في تركيا بقيادة أردوغان، قد رسم طريقاً لهؤلاء (خاصة بالنسبة لبلدان غير نفطية كمصر وتونس واليمن، وربما سوريا في المستقبل)، وهو تبني "الإسلام المتحرر" أو "الإسلام الليبرالي"، الذي يؤمن بالعلمنة ويعتبرها لا تتناقض مع جوهر الدين، إذ تؤمن بأن أجهزة الدولة تعبير عن إرادة جميع مواطنيها المتساوين، وبالتالي فهي لا بد أن تبعد عنها الصبغة الدينية، في حين تؤكد على دور الدين في حياة المجتمع.

بمعنى آخر، تفصل الدين عن الدولة كمؤسسة، وليس عن المجتمع، لأنه لا يمكن لأي مجتمع أن يبقى بدون دين أو أديان.

وبالطبع، فإن قبول الأحزاب الدينية العربية، كحزب الإخوان أو السلفيين أو حزب الدعوة، بهذه الرؤية لن يكون سهلاً، وطريقه لن يكون معبداً، لكن واقع الحال يفرض على هذه الأحزاب تبني مثل تلك الرؤية، إن آجلاً أم عاجلاً. فكيف يمكن حكم مجتمع ينتمي إلى أديان ومذاهب متعددة، ويشعر مواطنوه أن لهم حقوقاً واحدة يجب أن ينالوها؟ فإذا كان حكم الأغلبية وقهرها للأقلية قد جرى في القرون الماضية، فإن ذلك لا يمكن أن يحدث في عصر الانترنت والتويتر والفيس بوك، وغيرها من أدوات التواصل الاجتماعي التي باتت تكشف عن كل صغيرة وكبيرة هنا وهناك.

ثم إن القضايا الاقتصادية ستفرض نفسها، فإيجاد فرص عمل للآلاف المؤلفة من الشباب، وهم من أشعل تلك الثورات وكانوا وقودها، أمر لا يمكن التهرب منه، خاصة في الدول ذات الكثافة السكانية كمصر وتونس واليمن، وهي دول غير نفطية في المقام الأول، وبالتالي فهي بحاجة إلى الاستثمارات الأجنبية في مجالات متعددة، لعل أبرزها المجال السياحي وما يفرضه هذا المجال من "تسامح اجتماعي".

لنر كيف ستتصرف الأحزاب الإسلامية، ولنعطها فرصة لإثبات ذاتها على صعيد التطبيق، ولا نتعجل عواقب الأمور، إذا كانت هذه الأحزاب صادقة في إيمانها بحكم صناديق الاقتراع.

Email