نساء السلطة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما أثار مسلسل «حريم السلطان» موضوعاً قديمًا جديداً ألا وهو التأكيد على دور المرأة كمؤثر على السلطة ليس بالضرورة من خلال ممارستها لدور قيادي ولكن في الكثير من الأحيان من خلال تأثيرها على صنع القرار السياسي العام.

ولا شك أن المرأة لعبت دوراً مميزاً عبر التاريخ سواء في مساندة الرجل وهو في موقع صنع القرار كأم أو زوجة أو من خلال تبوئها لمناصب قيادية في إدارة دفة الحكم في مجتمعها.

وقد تبوأت المرأة في الكثير من البلدان أدواراً قيادية كبيرة على الرغم من تلك الصورة النمطية التي حجمت من دورها وقصرته على الأدوار التقليدية. فالتاريخ يذكر لنا تلك الملكة البريطانية الشابة إليزابيث الأولى التي قادت بلادها نحو إحراز النصر على الأسبان في معركة الارمادا الشهيرة.

كما يذكر التاريخ الملكة البريطانية فيكتوريا والملكة الروسية كاترين العظيمة وغيرهن من الملكات اللاتي أثرن على مجرى التاريخ من خلال ممارستهن لأدوار قيادية وهن في دفة الحكم وأثرن ليس فقط على تاريخ بلادهن ولكن على تاريخ العالم بأسره.

أما تاريخنا العربي فعلى الرغم من أنه يأنف في الكثير من الأحيان من ذكر أي دور أو تأثير للمرأة، وكأن التاريخ العربي قائماً على الرجل فقط، إلا أنه خلد لنا أسماء نساء قليلات لعبنا أدوراً قيادية مؤثرة وتبوأنا مناصب عليا في إدارة دفة الحكم في بلدانهن حتى أوصلن تلك البلدان إلى مكانة سياسية عالية. فمن الملكة بلقيس ملكة سبأ، إلى زنوبيا ملكة تدمر وغيرهن من عظيمات النساء أعطانا التاريخ العربي صوراً لنساء ذات مؤهلات قيادية فذة قدن بلدانهن في مراحل تاريخية حرجة.

وجاء الإسلام وحرر المرأة من الكثير من القيود والتابوهات المجتمعية وأعطاها حقوقاً كانت محجوبة عنها في الماضي، فكفل لها حق التعلم وحق الخروج للعمل كما كفل لها حق ممارسة حقوقها المدنية وحرياتها الشخصية الأخرى. وظهرت نتيجة لذلك نساء مميزات عبر مراحل التاريخ الإسلامي أثرن وبشكل إيجابي على صنع القرار العام.

فمن نساء العصر النبوي الشريف إلى النساء اللاتي لعبن أدواراً مهمة في التاريخ الأموي والعباسي إلى نساء الممالك الإسلامية اللاتي قدمن نماذج مشرفة للمرأة سواء القيادية أو تلك التي أثرت على صنع القرار من خلف الستار. فجاءت زبيدة زوجة هارون الرشيد ذات التأثير الكبير على زوجها، والسلطانة شجرة الدر التي تبوأت وفي ظروف بالغة الحساسية أمور السلطنة في مصر كنماذج لنساء أثرن على صنع القرار العام.

أما في منطقة الخليج وشبه الجزيرة فلم تكن المرأة في معزل عن التأثير على صنع القرار على الرغم من أن الأمور في هذه المنطقة لم تكن دوماً بالسهلة والمهيأة لظهور دور مجتمعي عام للمرأة. ففي هذه المنطقة ارتبطت المرأة دوماً بالعادات والتقاليد، فهي أول من يخضع ويتأثر بتلك المحددات المجتمعية.

بل ويتأثر بها سلباً. ولكن على الرغم من كل هذه المحددات المجتمعية إلا أن المرأة في الخليج شاركت وبإيجابية في التأثير على صنع القرار وأن كان من خلف الستار. وعلى الرغم من قلة المصادر التاريخية التي تشيد بذكر المرأة إلا أن المصادر المتوفرة ذكرت أسماء لنساء كسرن تلك الصور النمطية وتركنا للتاريخ أمر ذكر أسمائهن كنساء استثنائيات لعبن أدواراً رئيسية في فترات تاريخية بالغة الحساسية.

فمن موزة بنت أحمد التي وقفت إلى جانب ابن أخيها الطفل سعيد بن سلطان البوسعيدي (1805-1855)، سلطان عمان، إلى أن تمكن من استلام عرش والده ليصبح من أعظم سلاطين عمان في القرن التاسع عشر، إلى الشيخة سلامة بنت بطي، والدة الشيخ زايد بن سلطان، التي وقفت إلى جانب أولادها وهيأت لهم المناخ المناسب لتسلسل سلمي للسلطة في أبوظبي، إلى الشيخة الجليلة حصة بنت المر، والدة الشيخ راشد بن سعيد.

والتي وصفها المقيم السياسي في الخليج بأنها أهم مؤثر على زوجها وشبهها بالإمبراطورة الروسية كاترين العظيمة، إلى الشيخة لطيفة بنت حمدان، زوجة الشيخ راشد، لقد أعطانا التاريخ أسماء نساء لامعات أثرن وبشكل إيجابي على صنع القرار السياسي في المنطقة على الرغم من كل الظروف المجتمعية المعاكسة.

أما تاريخنا العربي المعاصر، والذي لا يزال في طور التشكل بعد، فسوف يظل يذكر للمرأة بأنها لعبت دوراً مهماً في التأثير على صنع القرار السياسي وفي إدارة دفة الأمور. ومن المؤكد أننا لا نستطيع بعد الحكم على هذا الدور بحكم أن الأمور لم تتضح بعد.

لكن يمكن القول ان المرأة لعبت فيه دوراً مؤثراً بحكم التأثير على أزواجهن وهم في سدة الحكم والمسؤولية وفي توجيه سياسات بلادهن إلى الوضع الذي آلت إليه، ولسوف يسجل لنا التاريخ هذا الدور ويحكم عليه بكل إنصاف.

لقد أثبت التاريخ أنه لم يظلم المرأة سوى المؤرخ غير المنصف وكاتب التاريخ غير المحترف وأصحاب الغايات الذين حاولوا تجريد المرأة من إنسانيتها ومن تلك النوازع البشرية التي تحكم البشر عامة.

لذا يجب على كتاب التاريخ أن ينظروا إلى الأحداث باحترافية شديدة ومصداقية عالية مراعين ظروف العصر وتقلبات نوازع الإنسان خلال مراحل عمره المختلفة. فلا يمكن مثلاً الحكم على جارية في الثامنة عشرة عندما وصلت إلى قصر السلطان سليمان بأن التاريخ قد ظلمها لأنه صورها في صورة ليست صورتها التي قدمها لها التاريخ لاحقاً .

وهي في الخمسين من عمرها. فبالطبع تصرفات فتاة في مثل عمر روكسلان في مقتبل حياتها لن تكون ذاتها عندما تصل إلى سن النضج والزهد وتبدأ في فعل الخير. كما أنه لا بد لتلك النوازع الإنسانية كالغيرة وحب التملك والخير والشر أن تؤثر على الإنسان في شبابه وتدفعه لارتكاب أعمال تعد لا أخلاقية في نظرنا اليوم.

لقد أثبتت المرأة عبر التاريخ بأنها لاعب رئيس ومؤثر في صنع القرار العام حتى ولو كان ذلك من خلف الستار. لذا سوف يذكر لنا التاريخ حريم السلطة اللاتي وقفن إلى جانب أزواجهن أو خلفهن في الكثير من الأحيان وكانوا قوة مؤثرة ليس فقط في توجيه دفة الحكم في بلادهن بل وفي تحديد مصير أزواجهن.

 

Email