شبكات التواصل الاجتماعي وفرص وتحديات التغيير

ت + ت - الحجم الطبيعي

أفرز الإعلام الجديد والشبكات الاجتماعية، فضاءً إعلاميا واتصاليا وسياسيا جديدا. فالبيئة الاتصالية الجديدة وفرت فرصا عديدة للناشطين السياسيين وللشباب.

ولكل من يريد أن يعبر عن رأيه ويساهم في الحراك السياسي، للتأثير في العملية السياسية وصناعة القرار. وبظهور شبكة الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، تغيرت المعطيات كليا وأصبح المواطن العربي فاعلا في العملية الاتصالية السياسية، حيث أصبح بمقدوره إنتاج الرسالة الإعلامية وبثها وتوزيعها، وإشراك الآخرين في التعليق عليها وإثرائها وإضافة ما يرونه مناسبا لها. وفي نموذج الاتصال الجديد عبر الشبكات الاجتماعية، أصبح المستقبل مرسلا ومنتجا للرسالة الإعلامية، وتحولت العملية هنا من فرد واحد إلى العديد ومن العديد إلى المزيد.

وقد شهدت المنطقة العربية تطورات جذرية خلال السنة الماضية، وفي أسبابها كثر الكلام عن الإعلام الجديد ودوره في نشر الأخبار والمعلومات، وتجنيد مئات الآلاف من الشباب للمطالبة بالتغيير. والأكيد أن الفضاء الإعلامي العربي تغير تغيرا كبيرا، بسبب الإعلام الجديد والقنوات الجديدة والعديدة والمتنوعة، التي وفرتها التكنولوجيا الجديدة للشعب العربي.

والفضاء العام العربي كذلك شهد نموا لا مثيل له، حيث أصبحت قضايا الأمة تناقش بكل حرية وديمقراطية وصراحة وجرأة وشفافية، على الشبكات الاجتماعية. أمر آخر أكيد، وهو أن المجتمع المدني في عديد الدول العربية، فاق من سباته العميق وأصبح يتحرك ويتفاعل مع المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات التي شهدها عديد العواصم العربية.

وهنا يتساءل المرء عن ما هي الأسباب ولماذا لم تحدث هذه الثورات من قبل؟ ولماذا فشل عديد الحركات والمحاولات التي كانت تهدف إلى تغيير الوضع والتخلص من الاستبداد والبطش والظلم والطغيان؟

بطبيعة الحال، الإجابة ليست بسيطة، ولا يمكننا إرجاع ما حدث إلى عامل واحد أو سبب واحد، وإنما هناك عدة متغيرات تداخلت وتشعبت وساهمت في حدوث ما حدث. وفي هذا المقام نركز على ظاهرة جد مهمة، وهي دور الإعلام الجديد، وخاصة الشبكات الاجتماعية، في توعية الشباب وتجنيده وإعطائه الفرصة ليكون فاعلا في الفضاء العام وفي المجتمع المدني، للمطالبة بالتغيير والإصرار عليه حتى يتحقق في أرض الواقع.

المتأمل والملاحظ لأحداث سنة 2011، يستنتج بدون أدنى جهد، أنها سنة الشبكات الاجتماعية بامتياز، حيث أصبح الإعلام الاجتماعي لاعبا فاعلا وأساسيا في حياة الشعوب. فشبكات التواصل الاجتماعي غيرت آليات وميكانيزمات الاتصال والإعلام، والتفاعل مع القضايا المصيرية في المجتمع. أصبحت هناك وسائل جديدة لتقديم الأخبار والمعلومات والصور والفيديوهات، وكل ما من شأنه أن يقدم الحقيقة للمجتمع. هذه البيئة الاتصالية الجديدة، حررت المجتمع من سيطرة السلطة على صناعة الكلمة والصورة والرأي العام، فتحررت المبادرات وتحررت الشعوب، لتصنع الحقيقة وتقدمها للرأي العام بكبسة زر، ولتقرر مصيرها بنفسها.

لقد استطاع الإعلام الجديد أن يحدث ثورة في عالم الاتصال لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية، حيث أنه جاء بشبكة اتصال عالمية سمعية وبصرية ونصية إلكترونيا، من شأنها أن تنهي التمييز بين الشخصي والجماهيري وبين الاتصال العام والخاص. فالإعلام الجديد، وخاصة الانترنيت، يوفر فضاءً عاما ديمقراطيا، يستطيع من خلاله المواطنون التفاعل والحوار والنقاش.

ومن ثم المساهمة في نقاش غني مفتوح للجميع. فالإعلام الجديد يوفر مناخ الفرص الشاملة على المستوى العالمي لفضاء عام معولم، إذ نشاهد اليوم "مجتمعات افتراضية" على الشبكة، اختصرت المسافات الجغرافية وتخلصت من الضغوط الاجتماعية. لكن الإشكال المطروح هنا، هو ما موقع دول العالم الثالث في العولمة وفي الفضاء العام المعولم؟

يرى الأكاديميون المختصون أن الإعلام الجديد بصدد إفراز مجتمع ما بعد الثورة الصناعية أو المجتمع المعولم؛ بينما نلاحظ أن غالبية الدول النامية، ومن بينها الدول العربية، ما زالت تعيش في أجواء الموجة الثانية كما حددها إلفين توفلر. ماذا عن الفجوة الرقمية و70 مليون عربي لا يعرفون القراءة والكتابة؟ هل العولمة توفر الفرص بالتساوي للجميع؟ وهل كل واحد بإمكانه أن يبني طريقة حياته ويختار أيديولوجيته من العدد الهائل من الاختيارات؟

من أهم سمات الشبكات الاجتماعية أن المحتوى يصنعه الزوار والمتصفحون، فالتطورات الجديدة التي شهدتها شبكة الانترنيت، أدت إلى نقلة كبيرة ونوعية في عالم التواصل. وعلى عكس الإعلام التقليدي، فإن الإعلام الجديد أدخل مفاهيم وآليات جديدة في عالم الاتصال، حيث إن نموذج هارولد لاسوال ـ المرسل والمستقبل والوسيلة والرسالة ورجع الصدى ـ أصبح لا يفي بالغرض لفهم العملية الاتصالية، وحتى نظريات حارس البوابة وتحديد الأجندة وغيرها، أصبحت غير صالحة لشرح البيئة الجديدة للتواصل الاجتماعي. ف

في هذه البيئة أصبح المستقبل هو المرسل وهو صانع الرسالة الإعلامية، وأصبح هو حارس البوابة ينتقي ما يحلو له ويتصفح ما يلبي رغباته، ويتغاضى عن ما لا يعجبه. فحرية النشر والرأي مضمونة في الشبكات الاجتماعية، وهذا ما يوفر جو النقاش والحوار والاختلاف.

ويفرز في نهاية المطاف السوق الحرة للأفكار. وهنا نلاحظ التواصل الفعال بين مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تجمعهم اهتمامات مشتركة ومشاكل مشتركة وقضايا تشغل بالهم. أضف إلى ذلك أن المستخدم يختار ويتحكم في المحتوى المعروض، ويعود هذا إلى أن مستخدمي الموقع يختارون بعضهم بعضا ويعرفون بعضهم، ويتعارفون أكثر بعد الاستخدام والتواصل الفعال بينهم.

يمثل الفضاء العام ذلك المجال في الحياة الاجتماعية، حيث يلتقي الجمهور ذو الاهتمامات الخاصة، ليناقش ويكتشف ويحدد ويقترح الحلول للمشاكل. وهدف هذا الجمهور، هو التأثير في صاحب القرار السياسي. فالفضاء العام يعني المشاركة السياسية للجماهير بطريقة منظمة، بهدف تشكيل الرأي العام للمشاركة في الحياة السياسية.

وبنضجه يؤدي إلى الديمقراطية المشاركة، وصناعة الرأي العام ليصبح فعلا سياسيا. ويقوم الحكم الديمقراطي على قدرة الحكومات على الاستماع للفضاء العام، وكذلك على قدرة المواطنين على تنظيم أنفسهم والخوض في حوار بناء، حول اهتماماتهم ومشاكلهم ومطالبهم.

مع انتشار ظاهرة العولمة، شهد الفضاء العام تغييرات جذرية في المحتوى واللاعبين والخطاب والشكل. ومع زوال الحدود السياسية والجغرافية والثقافية التي تميز الاتصال السياسي الوطني، اكتسب مصطلح الفضاء العام أبعادا قارية ودولية جديدة.

لقد سمحت التكنولوجيات الجديدة للاتصال، متمثلة في القنوات التلفزيونية الفضائية والشبكة العنكبوتية الدولية، بنقاشات عالمية لقضايا ومشاكل تواجه المجتمعات في عصر ما بعد الحرب الباردة. ففي تطوره الهيكلي أصبح الفضاء العام عالميا وموطنا للاعبين دوليين، يطرح قضايا دولية مستفيدا من قنوات اتصال عديدة ومتنوعة، ومستهدفا جماهير عالمية.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل هناك فضاء عام في العالم العربي؟ وإلى أي مدى يستطيع الإعلام الجديد المساهمة في إفراز فضاء عام عربي؟ للإجابة على السؤال الأول، يجب أن نبحث عن مستلزمات وشروط الفضاء العام؛ هل هي متوفرة وموجودة في العالم العربي؟ بمعنى أخر، هل هناك نظام إعلامي قوي؟ هل هناك مجتمع مدني فعال؟ هل هناك درجة عالية من المسؤولية الاجتماعية والمشاركة في القضايا والشؤون الاجتماعية، من قبل المواطنين والمؤسسات والمنظمات على حد سواء؟

الفضاء العام يتطلب حرية التعبير وحرية التجمع والحق في المشاركة، بدون ضغوط ولا حواجز في النقاشات السياسية وفي عملية صناعة القرار. هل تستطيع الشبكات الاجتماعية في الوطن العربي أن تحدث التغيير مثلما أطاحت بالأنظمة الدكتاتورية؟ أم أن الموضوع أكبر بكثير من الإعلام الجديد والفيسبوك؟!

 

Email