وصفة لشفاء النفوس المتعبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذا الموضوع من الموضوعات التي مهما كتب عنها، تظل بحاجة للمزيد. لذلك سأتناول من جديد مشكلة الضغط النفسي، وهو الذي صار جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وذلك لأسباب كثيرة ومتنوعة يمكن لها أن تنبع من كل نواحي حياة الإنسان، سواء من بيته أو عمله، أو حتى من العالم من حوله، هذا العالم الصعب المتسارع بتقلباته السياسية، ومستقبله غير الواضح المحفوف بتنبؤات مخيفة عن الانهيارات الاقتصادية والحروب، وغير ذلك.

كل هذه الأمور، وغيرها، تعد من المصادر التي يمكن أن تسبب الضغط النفسي للإنسان ولاشك، بل لعلي سأفاجئ بعضكم حين أقول انه حتى المناسبات السعيدة، يمكن لها أن تشكل ضغطا كبيرا على الإنسان.

ألا يقولون في المثل الدارج «لا هم كهم العرس»؟ نعم، هذا صحيح تماما، فحتى الاستعداد لمثل هذه المناسبات السعيدة، وكذلك الانتقال إلى منصب أعلى أو الرحيل إلى بيت جديد مثلا، وغيرها، بالرغم من كونها مناسبات إيجابية، تتسبب في ضغط نفسي كبير على الإنسان، يضاف إلى الرصيد الموجود لديه أصلا، ليأخذ جميعها بالتراكم في داخله.

مصادر الضغوط الواقعة على الإنسان كثيرة، إذن، ومن المستحيل، بطبيعة الحال، أن يستطيع الإنسان التخلص منها نهائيا، إلا أن هذا لا يعني على الإطلاق أن يترك نفسه فريسة سهلة لها، لتنهش صحته النفسية وتتجاوزها إلى صحته الجسدية، ليعاني بعد ذلك من الآلام والأوجاع، كالصداع والشقيقة (الصداع النصفي)، واضطرابات الجهاز الهضمي وآلام الظهر والعضلات، واختلال الوزن صعودا أو نزولا، واضطرابات النوم، بل وأمراض أكثر خطورة منها كاعتلالات القلب والسكري وغيرها، والتي هي كلها أمراض ثبت ارتباطها بالضغوط النفسية، فيصبح بعدها مهددا بالانهيار في أي لحظة.

يجب على الإنسان أن يتصدى لهذه الضغوطات، وذلك بأن يدرك تماما في البداية أنه واقع في هذه الطاحونة النفسية، فالإدراك بوجود المشكلة دائما يكون أول العلاج، ويقرر بعدها أنه لن يستسلم، فيعمل جاهدا بعد ذلك على المواجهة بكل الوسائل المتاحة. ومن النصائح التي يمكن تقديمها للتعامل مع الضغوطات النفسية، النصائح التالية:

أولا؛ حافظ على صحتك الجسدية بقدر ما تستطيع، ومارس الرياضة، ولو كانت مجرد المشي لمدة نصف ساعة بشكل سريع في كل يومين، وراقب نظامك الغذائي. ولا أقول احرم نفسك من شيء من الأكل، ولكن قلل الكميات ورتب مواعيد الوجبات، وابتعد عن التدخين والمنبهات قدر الإمكان، ثم نم بشكل كافٍ وجيد ومنتظم.

ثانيا؛ احرص على وجود الدعم الاجتماعي من حولك، سواء من خلال أفراد الأسرة أو الأقرباء أو الأصدقاء، فوجود هؤلاء مهم جدا في الفترات الهادئة، وتعزيز القرب منهم والتواصل معهم سيكون رصيدا مدخرا للأوقات الصعبة.

ثالثا؛ لا تكن ممن يصارعون همومهم لوحدهم، فيكتمون الضيق في داخل نفوسهم، وهذا لا يعني أيضا أن تكون ممن تجري دموعهم طوال الوقت طبعا، وإن كانت الدراسات والمشاهدات، تثبت أن من يخرجون همومهم بشكل مستمر على شكل دموع، هم الأقل تعرضا للتعب بسبب الضغط النفسي. لكن المراد هنا، هو أن تخرج همومك بشكل مناسب للمقربين منك في دائرة الدعم الاجتماعي، وقليل من الدموع بين فينة وأخرى لا يضر، بل مفيد جدا.

رابعا؛ تذكر اللحظات الإيجابية دوما، وحين تعترضك مشكلة جديدة، تذكر كيف كانت المشكلة السابقة تبدو أمامك وكأنها لن تزول، وإذا بها تزول بفضل الله، وجدد إيمانك بالخالق وثق بأنه سيعطيك القوة والقدرة على التغلب وتجاوز الصعوبات الجديدة، كما جعلك تتجاوز السابقة، وتخيل نفسك فعلا قد تجاوزتها بعونه سبحانه.

خامسا؛ أحسن التعامل مع وقتك والموارد المتاحة لك، ونظم أولوياتك عند مواجهة الصعوبات وفي سائر الأوقات، وتعامل مع الأهم فالمهم من بعد ذلك، ولا تنشغل بغير المهم، خصوصا في الأوقات الصعبة، وتعلم أن تقول كلمة «لا للالتزامات التي لا تستطيع أن تفي بها، ولا تثقل على نفسك بحمل أعباء جديدة، سواء كانت مالية أو اجتماعية أو غير ذلك، ولا تتردد في طلب المساعدة ممن تثق بأنهم سيساعدونك، ولكن احذر من أن تلقي نفسك على أي أحد فيصدك أو يخذلك، فيصبح الخذلان مصدرا جديدا من مصادر الضغط النفسي والتعب.

هذه النصائح الخمس ليست سوى القليل من نصائح كثيرة يمكن تقديمها بشكل تفصيلي في هذا الصدد، لكنها الأهم في تصوري والأكثر فائدة، من واقع تجربتي وممارستي مع الآخرين كطبيب. ان يتأمل كل واحد منا في كل واحدة منها، وليبحث عن الطريقة التي يمكن له أن يجعلها جزءا من حياته. فقد تكون جميع هذه النصائح صالحة لأحدنا، وقد لا يصلح بعضها لأحد آخر، ولكن لنسدد جميعنا ونقارب، ونرجو من الله العون والفائدة.

Email