كيف سيحكم الإسلاميون؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

حصل حزب العدالة والتنمية المغربي على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، بما يسمح له دستورياً بتشكيل الحكومة الجديدة. كما حصل حزب النهضة التونسي على العدد الأكبر من مقاعد الجمعية التأسيسية، وأصبح أمينه العام حمادي الجبالي هو الشخصية المتفق عليها بين الأحزاب المؤتلفة لتشكيل الحكومة. وفي مصر تشير نتائج الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، إلى أن حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، في طريقة ليصبح القوة السياسية الأولى في البرلمان المصري الجديد، وقد طالب أعضاء رئيسيون فيه بأن يشكل الحزب الحكومة في مرحلة ما بعد الانتخابات.

 وهذه التطورات تؤكد أن التيار الإسلامي السياسي قد أصبح في الحكم في أكثر من بلد عربي، وهو ما يفتح الباب أمام الحديث حول كيف سيحكم هؤلاء في هذا الوضع العربي المعقد، وفي ظرف إقليمي مضطرب، وفي ظل موقف دولي مترقب؟

الملاحظ أن كافة هذه التنظيمات السياسية، التي هي بصدد المشاركة في الحكم، بعثت رسائل طمأنة للمجتمع الداخلي والقوى الإقليمية والدولية، فضلاً عن أنهم دعوا قوى غير إسلامية لمشاركتهم في مهام الحكم. كذلك فإن هذه القوى تعد من الأكثر اعتدالًا بين القوى الإسلامية، وهو ما يمكن أن يحقق أمرين؛ الأول أنهم لن يغالوا في برامجهم. والثاني أنهم سيساهمون في تهميش وعزل القوى المتشددة، ودفع قطاعات منها إلى الاعتدال.

والنتائج التي حققتها هذه التيارات أصابت بعض قطاعات المجتمعات العربية بالهلع، وخاصة الأقليات وقوى اقتصادية نافذة داخلياً وخارجياً، الأمر الذي جعل القوى الإسلامية في موقف الدفاع، ودفعها للمزيد من رسائل الطمأنة، حفاظاً على تماسك المجتمعات من جهة، وعلى الاستثمارات الاقتصادية من جهة ثانية، وهو ما جعلها تتبنى خطاباً سياسياً أقرب إلى الليبرالية منها إلى الاسلاموية.

كذلك فإن هذه القوى المعتدلة المسيسة، لديها خبرة سياسية طويلة، وعانت من فترات قهر اضطرت فيها للتنسيق والتكاتف مع القوى السياسية الأخرى من يسارية وليبرالية، ما أنتج نقاط توافق مشتركة بين هذه الأطراف.

وهذه الخبرة سوف تجعلها تدرك أن مشكلات المجتمعات التي تشارك في حكمها، أعقد من أن يحلها تيار سياسي واحد، وسيدفعها ذلك بالتأكيد إلى التعاون، بل والائتلاف مع قوى أخرى قد تكون مدنية. ومشاركة هذه القوى الأخرى في الحكم، لها بعد براغماتي وآخر عملي. أما البراغماتي فيتعلق بأن الإسلاميين وهم يدركون تعقيد الوضع الراهن، وصعوبات حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، يدركون أن سيطرتهم منفردين على السلطة ستؤدي إلى اهتزاز شعبيتهم، وتراجع التأييد لهم في أي استحقاقات مقبلة.

أما مشاركة قوى أخرى لهم، فهي تحقق هدفين؛ الأول أن تراجع الشعبية سيصيب القوى الأخرى معهم، فضلًا عن أنه يمكنهم من تحميل هذه القوى في المستقبل، تبعات عدم مقدرتهم على حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. يضاف إلى ذلك أنهم سوف يقدمون مبررات لكوادرهم، عندما لا ينفذون برامجهم الثقافية أو الاجتماعية، وأيضاً الأخلاقية، بأنهم ينفذون برنامجاً آخر متفق عليه مع القوى المتحالفة معهم.

والبعد العملي هو إدراكهم لأن القوى الأخرى لديها من الكفاءات والخبرات ما يمكنها من المساعدة في الحل، فضلاً عن أن هذا الخيار سيعطي تطمينات إضافية للقوى الإقليمية والدولية، بما يساعد على تدفق الاستثمارات والمعونات، وهو ما يساعدهم على استمرار عمل الدولة بكفاءة عالية، والمحافظة على شعبيتهم.

والإسلاميون يضعون في اعتبارهم الموقف الدولي من حركة حماس، حيث اتبعت الدول الغربية سياسة الحصار في مواجهتها، ما أعاقها عن تحقيق أي منافع اجتماعية أو اقتصادية لشعبها. وهم يخشون أن تمارس السياسة نفسها ضدهم، ومشاركة قوى أخرى لهم، خاصة تلك التي لديها صلة بالغرب، يمكن أن تحول دون ذلك.

وقد سعى حزب العدالة والتنمية المغربي، إلى التحالف مع أحزاب كانت ضمن الائتلاف الحكومي الحالي، وذلك مؤشر إلى أنه يريد الاستمرارية، وليس القطيعة مع الماضي. وفي تونس فقد تحالفت النهضة مع قوى ليبرالية وقومية، وهو ما يعني الانفتاح على القوى الأخرى المختلفة. أما الحرية والعدالة المصري، فكل المؤشرات تؤكد أنه لن يتحالف مع القوى السلفية في مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية.

وهذه القوى الثلاث، لديها قدر من الانبهار أو التقدير لتجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا، ليس على صعيد الاعتدال تجاه مجتمع متشدد في علمانيته، وإنما على صعيد تقبل العالم له، والعلاقات الدولية والإقليمية التي استطاع أن ينسجها في ظل عالم مناهض للإسلام والإسلاميين، ولا بد أنهم تحدثوا مع قيادات هذا الحزب التركي، وسمعوا منها أن هذا القبول الدولي كان أحد عناصره أنهم لم يصطدموا مع المجتمع وأقلياته واتجاهاته السياسية والفكرية، ما يعني أن تقبل المجتمع لهم هو الطريق لتقبل العالم والإقليم.

 

Email