الآثار السياسية لزلزال تركيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصاب زلزال بقوة 7 ريختر مدينة وان بشرق تركيا وراح ضحيته مئات من القتلى وآلاف من المصابين، وإذا كان هذا الزلزال كارثة على المستوى الإنساني، فله في نفس الوقت تأثيرات متعددة على المستوى السياسي. ولكن وقبل تناول الآثار السياسية لهذا الزلزال، لابد من الإشارة ان إحدى النقاط الرئيسية في البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية في آخر انتخابات تشريعية كانت تتعلق بكيفية التصدي لخطر الزلزال، ذلك أن علماء الجيولوجيا يرجحون أن يضرب زلزال قوى تركيا خلال عقود يقضي تماماً على مدينة اسطنبول، وقد أعدت الحكومة إجراءات لمواجهة هذا التوقع الكارثي، منها بناء مدينة جديدة على أطراف اسطنبول القديمة يتم تهجير سكان المدينة إليها على مراحل قبل مجيء هذا الزلزال.

ونستطيع القول ان هناك محورين لتناول التأثيرات السياسية لهذا الزلزال أولهما يتعلق بتأثيره على الداخل التركي، وعلى الأخص تأثيره على حكومة رجب طيب أردوغان. وإذا كنا قد لاحظنا أن استجابة الحكومة لهذا الزلزال كانت جيدة حيث كانت جهود مواجهة الكارثة منظمة وليست عشوائية بل ومدروسة، فإننا يمكننا أن نقول ان هذا الزلزال سوف يساهم في رفع شعبية حكومة حزب العدالة والتنمية ورئيسها رجب طيب أردوغان. والذي يزيد من هذا التوقع هو ان مواجهة الكارثة أكدت أن الحكومة كان لديها خطط طوارئ معدة من قبل لمواجهة الكوارث الطبيعية مثل الزلزال وغيرها.

ومن الآثار السياسية الداخلية أيضاً، أن كارثة الزلزال، أضعفت الاهتمام بعودة حزب العمال الكردستاني مرة أخرى إلى العنف واستهداف قوات الأمن في مناطق جنوب شرقي تركيا. فقد كان من المتوقع أن تشهد تركيا جدالاً سياسياً حول أسلوب مواجهة هجمات الحزب، حول سياستها إزاء المسألة الكردية بصفة عامة. ولكن ما حدث هو أن الاهتمام الداخلي انصب برمته على كارثة الزلزال. وهذا الأمر جنب الحكومة انتقادات كانت يمكن أن توجه إليها حول التصدي لحزب العمال الكردستاني من جهة. وهمش من الدور السياسي للحزب، خاصة وان الهجمات لم تتوقف بعد الزلزال، بما طرح شكوكاً حول وطنية الحزب وجدول أعماله وانتماءاته الإقليمية من جهة ثانية.

أما المحور الثاني من محاور تناول التأثيرات السياسية لزلزال تركيا فهو يتعلق بالبعدين الإقليمي والدولي. ذلك أن الزلزال جاء في وقت كانت تركيا تمارس سياستين دولية وإقليمية نشطتان، تسعى من خلالهما إلى أن تصبح دولية مركزية في النظامين الإقليمي والدولي.

وكانت هذه السياسة الإقليمية تقوم على دعم ومساندة ثورات الربيع العربي، وعلى الأخص في سوريا التي تعتبر من دول الجوار الجغرافي لتركيا، وعلى تأييد إعلان الدولة الفلسطينية عبر الأمم المتحدة، ومحاولة لمد نفوذها في دول آسيا الوسطى التي يطلق عليها دول العالم التركي. والملاحظ انه في أعقاب الزلزال مباشرة هدأ الاهتمام التركي بما يحدث خارج تركيا، وانصبت كل الجهود، حتى تلك الخاصة بجهاز الدبلوماسية التركية، حول مواجهة آثار الزلزال.

وهو ما يعني أن الزلزال أدى إلى عرقلة جهود المد الإقليمي التركي، ولو بصورة مؤقتة، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات حول موعد استئناف تركيا لجهودها الإقليمية، وحول ما إذا كانت قوى إقليمية أخرى سوف تستثمر هذا الانكفاء الوقتي التركي، لكي تسد الفراغ الذي ستتركه تركيا بما يعيد الصراع الإقليمي مرة أخرى إلى المنطقة، خاصة وان هناك قوى متربصة بتركيا مثل إيران وإسرائيل، وهما تريدان أن يكون لهما دور إقليمي مركزي. يضاف إلى ذلك أن الانكفاء التركي لو استمر فترة طويلة قد يدفع مصر بعد عودة الاستقرار لها، وإعادة بناء نظامها السياسي، أن تدخل هي الأخرى في المنافسة.

وكل ذلك في التحليل الأخير يعنى أن تركيا سوف تبدأ من المربع رقم واحد، وأنها ستفقد الكثير مما بنته خلال الأعوام العشرة الماضية أي منذ أن بدأت تتبلور لها سياسة إقليمية تسعى لأن تكون بها دولة مركزية في عدة أنظمة إقليمية متقاطعة.

وهذا الأمر ينطبق أيضاً على السياسة الدولية النشطة لتركيا، والتي جعلت منها محور اهتمام العالم، وذات تأثير قوى في القضايا الدولية، حيث من المتوقع أن تتراجع هذه السياسة ولو بصورة وقتية. وهو الأمر الذي يفقد السياسة الدولية لتركيا صفة التواصل والاتصال ويمكن ان يوجد فجوات في عملية التراكم المطلوبة لكي تؤتي هذه السياسة ثمارها المطلوبة.

ولابد بالطبع من أن ندرك أن تركيا وهي تعد خططها لمواجهة كارثة الزلزال، والأسلوب الراقي المتماسك الذي قمت به لمواجهة آثار الكارثة الذي لو قارناه بدول أكثر تقدماً وثراءً واجهت كوارث مشابهة ولكن بصورة أقرب إلى العشوائية، لأمكننا أن نتوقع أن حكومة حزب العدالة والتنمية أعدت في نفس الوقت خططاً للتعامل مع الواقع الدولي الإقليمي، ولو على أقل تقدير موقف لتداعيات مثل هذه الكوارث على سياستيها الإقليمية والدولية، وعلى ضوئها لابد وأنها أعدت خطط لكيفية استئناف خططها الدولية والإقليمية بما يجعل خسارتها في حدها الأدنى.

 

Email