أعمدة النجاح السبعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرة هي الكتب التي تحدثت عن النجاح، وكثيرة هي البرامج التدريبية التي استهدفت هذا الموضوع بالذات. ولا عجب في ذلك، فالكل يريد النجاح والكل يقول بأنه يسعى له، وإن كان على طريقته الخاصة، وفي هذه الجزئية كلام كثير ولا شك.

أشهر من كتبوا في هذا الموضوع من المتخصصين في مجال التطوير الإداري والتنمية البشرية، الأساتذة جيم رون وديل كارنيجي وستيفن كوفي وزيج زيغلار وجون ماكسويل وبرايان تريسي وغيرهم، حيث يعتبر هؤلاء بمثابة منتجي الأفكار ومصنعي النظريات والبرامج التدريبية الأساسية للنجاح، والتي صارت تدرس حول العالم وبمختلف اللغات في وقتنا الحالي.

لهؤلاء المشاهير كتب كثيرة، لكن من أشهرها قاطبة كتاب "العادات السبع للناس الأكثر فاعلية" لستيفن كوفي، وهو الذي تفرع عنه الكثير لاحقا، سواء لذات المؤلف ككتابه الشهير "العادة الثامنة"، وكتابه الذي صدر مؤخرا "البديل الثالث"، أو لغيره من المؤلفين.

وقد قضيت وقتا طويلا أبحث في هذه الكتب وأشارك في البرامج التدريبية التي تدور حول النجاح، وأقرأ كل ما يقع تحت يدي في هذا الموضوع، فوجدت أنه في غالبه لا يخرج عن نطاق عوامل محددة، إن التزم بها الإنسان وأحسن تطبيقها، فإنه سائر على طريق النجاح بإذن الله، نحو تحقيق ما يصبو إليه. وهذه العوامل في المجمل سبعة، سميت بأسماء مختلفة، فستيفن كوفي قد أسماها "عادات"، وبرايان تريسي أطلق عليها "التزامات"، في حين أسماها جول أوستن "مفاتيح"، وسأسميها بدوري "أعمدة"، لأني أراها بمثابة الأعمدة التي يقوم عليها صرح النجاح وبناؤه المتكامل.

أول هذه الأعمدة: أن يضع الإنسان لنفسه أهدافا في الحياة، في مختلف المجالات، دينيا واجتماعيا وجسديا وعلميا وعمليا وماديا. لا يمكن لإنسان أن ينجح حقا في حياته دون أن تكون له أهداف محددة وواضحة لما يريد تحقيقه في هذه المجالات، فمن لا يضع هدفا لا يستطيع أن يقول إنه قد نجح في تحقيق ما يريد، لأنه غير محدد أصلا. وعند النظر في مجمل كتابات من تناولوا هذه الجزئية، سنجد دوما أن هناك تركيزا على أن للهدف معايير، وأنه ليس مجرد شيء نحلم بتحقيقه، حيث لا بد من أن يكون الهدف واقعيا لا مستحيلا، وواضحا تماما، فيكون مرتبطا بكمٍ وكيفٍ ومقدارٍ، وكذلك بفترة زمنية محددة لتحقيقه.

العمود الثاني: هو أن يضع الإنسان خطة لتحقيق الأهداف، فلا يمكن أن يحقق الإنسان شيئا دون أن تكون لديه خطة لذلك. والعبارة الشهيرة تقول، من فشل في التخطيط (أو لم يخطط مطلقا) فقد خطط للفشل. وهذا صحيح تماما، فمن لا يخطط سيقع في دائرة خطط غيره، وسيكون كريشة في مهب رياح الظروف التي ستطيح به ذات اليمين وذات الشمال. من الضروري أن يضع الإنسان خطة لتحقيق كل هدف من أهداف حياته، كبيرها وصغيرها، وأن تكون الخطط مقسمة على مراحل قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى. ومن المهم كذلك أن تكون هذه الخطط مكتوبة، كي يراجعها باستمرار. فالخطة التي تقبع في الذهن فقط، هي أقرب ما تكون إلى الأحلام لا الخطط.

ثالث الأعمدة: هو ترتيب الأولويات، وهذه من أهم خصائص الناجحين، فحين ننظر إلى الناس من حولنا، وبالأخص أولئك الأقل نجاحا، سنجدهم في الغالب ممن فشلوا في ترتيب أولوياتهم، وفشلوا في وضع الأشياء الأهم في أعلى قائمة اهتماماتهم، وانشغلوا في أمور أقل أهمية، وربما بأمور عديمة الأهمية تماما.

والعمود الرابع: يرتبط بسابقه، وهو أن يركز الإنسان وقته وجهده على الأولوية التي في يده، فيعمل على أن يصرف عقله ومزاجه عما سواها بقدر ما يستطيع. كثير منا، وإن كان يظن نفسه منشغلا بأداء أمر ما، فإن عقله في الحقيقة في مكان آخر، فتراه وقد أنتج عملا قليل الجودة وربما منعدم الفائدة.

وأما العمود الخامس: فهو الحرص على الصحة الجسدية والتغذية السليمة، فمن دون أن يكون الإنسان صحيحا في هذا الجانب، فستضعف قدرته وتقل طاقته عن مواكبة همته وموازاة رغبته في تحقيق أهدافه وتنفيذ خطط حياته. كم من شخص نعرفه رغب في عمل الكثير والكثير، ولكن أقعدته العلل والأدواء. صحيح أن المرض والصحة بيد الله، ولكن على الإنسان أن يسعى للمحافظة على صحته، من خلال ممارسة الرياضة والحرص على الغذاء الجيد والحصول على القسط الكافي من النوم، والله المستعان.

والعمود السادس: هو الاستمرار في التعلم والتدرب وتطوير الذات. فكثير من الناس يكتفون بما اكتسبوه من المعلم والمعرفة على مقاعد الدراسة، وبما يلتقطونه من خبراتهم اليومية وممارساتهم المتواصلة، وهذا كله وإن كان مهما، فإنه ليس كافيا على الإطلاق. الإنسان بحاجة إلى أن يستمر في تطوير نفسه والتعلم في المجالات التي يرغب في النجاح فيها. لا بد من القراءة، والتدرب بشكل متواصل. وأدرك أن هناك من سيقول هنا إن أثر الدورات التدريبية سرعان ما يزول، وسأرد بتلك المقولة الشهيرة للمعلم زيج زيغلار: يقولون إن التحفيز لا يثبت أثره لفترة طويلة، وسأقول إن الاستحمام كذلك لا يثبت أثره لفترة طويلة، ولذلك فنحن ننصح بتكراره دوما.

وأما سابع أعمدة النجاح وآخرها؛ فهو ضرورة اهتمام الإنسان بالعلاقات الإنسانية في حياته. من المهم أن يتذكر الإنسان الساعي للنجاح، أن صعوده السلم لا يجب أن يكون على حساب علاقته بأسرته وأهله وأصدقائه، فلا قيمة لنجاح "مادي" يكتشف الإنسان بعد وصوله إليه، أنه خسر كل ثروته الإنسانية وهو يسعى إليه. لا بد من الحرص على وجود التوازن في هذا الجانب.

هذه الأعمدة السبعة، هي وصفة مركزة تلخص تقريبا كل ما يكتب حول موضوع النجاح، ومن سيستند إليها ويعمل بمقتضاها، سيكون من الناجحين بإذنه تعالى.

 

Email