تركيا ودعم الثورات العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بزيارة إلى ثلاث دول عربية نجحت فيها الثورات ضد النظم الاستبدادية، واصطحب معه 200 من كبار رجال الأعمال الأتراك، بما يعني أنه أراد أن يبحث في الزيارة إمكانية دفع الاستثمارات التركية في هذة الدول، فضلا عن أن يكون لقطاع الأعمال التركي نصيب من كعكة إعادة البناء في الدول الثلاث. وهذه الخطوة التركية تأتي في وقت تواجه فيه الثورات العربية تحديات كبيرة، وهو ما يعني أن الزيارة التركية وعلى هذا المستوى الكبير، يمكن أن تكون بمثابة دعم مباشر من تركيا للثورات العربية، خاصة وأنها تدرك قوة الثورة المضادة في الدول الثلاث.

وتركيا تدرك أن زيارة رئيس وزرائها الذي يملك شعبية كبيرة في المنطقة العربية، خاصة لدى قطاعات الثورة فيها، يمكن أن يساهم في تحذير الثورة لدى هذه القطاعات، عبر تقديم نموذج أو نصائح في اتجاهات محددة. فعندما تحدث أردوغان في مصر عن مفهومه للعلمانية، ساهم في تحويلها لدى قطاعات من الجماهير، من الكفر البواح إلى نموذج للحكم لا يتخاصم مع الدين، لأنه هو الإسلامي الذي يدافع عن قضايا الأمة الإسلامية بضراوة، دافع عن العلمانية التركية التي كانت سيئة السمعة لدى قطاعات من الرأي العام العربي. كذلك فإن تصريحات متعددة له، منها ما هو متعلق بالانتخابات وطرق تنظيمها، يمكن أن تهدئ من حدة الخلاف لدى النخب المصرية حول نفس الموضوع. وهذا كله يصب في النهاية لصالح الثورات العربية، ويعتبر مساعدة من تركيا لهذه الثورات.

وتركيا تدرك أن المنطقة بصدد إعادة تشكيل كاملة بعد الثورات التي شهدتها بعض الدول العربية، وإعادة التشكيل هذه تشمل الداخل العربي والنظام الإقليمي، وهي تريد أن يكون لها دور فاعل في هذين الأمرين. يؤكد ذلك أنها تسعى إلى مستوى عال ودائم من التنسيق مع الدول العربية، وهي بذلك تطرح المجلس الاستراتيجي الدائم الذي تقيمه مع مصر، ليكون إطارا دائما للتعاون الذي يصل إلى مستوى التنسيق في القضايا الإقليمية. وهو الأمر الذي يجعل تركيا مشاركا رئيسيا في عملية إعادة التشكيل، التي تتم حاليا في المنطقة.

على الجانب الآخر، فإن تركيا تدرك أنها يمكن أن تواجه بعزلة غربية كرد فعل على موقفها من إسرائيل، وهي بالتالي تعيد ترتيب أوراقها الإقليمية من أجل الحد من الآثار السلبية لمثل هذه العزلة، التي ستكون ناتجة عن ضغوط اللوبيات الموالية لإسرائيل في الدول الغربية، فضلا عن أن توسيع دائرة التحالفات الإقليمية، يمكن أن يقنع الدول الغربية بعدم ممارسة أي ضغوط على تركيا بسبب سياستها تجاه إسرائيل، وأيضا بعدم جدوى أي عزلة يمكن فرضها عليها بسبب نفس السياسة.

لقد اختارت حكومة أردوغان أن تصبح تركيا قوة عظمى إقليمية، حتى يكون لها دور فاعل في النظام الدولي، ومن أجل إقناع الدول الأوروبية بأن ضمها كعضو كامل في الاتحاد الأوروبي، سيعطي فائدة كبيرة للاتحاد والدول الأعضاء فيه. وفي نفس الوقت يأتي التحرك الإقليمي والدولي بديلا عن عدم ضمها للاتحاد، ذلك أنها تدرك أن ضمها للاتحاد تقف دونه عقبات متعددة. وجزء من تحقيق هذا الهدف، هو أن تنحاز تركيا للثورات، وهو ما حدث في كافة الثورات العربية من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى سوريا.

وهذا الانحياز يعطي للعلاقات التركية طابعا شعبيا، يضاف إلى الطابع الرسمي لعلاقاتها مع الدول العربية. وهي تدرك أن القوى الأخرى التي تنافسها على قيادة النظام الإقليمي، في موقف أقل قدرة منها على تحقيق أهدافها في القيادة. فإسرائيل مثلا سيئة السمعة لدى كل شعوب المنطقة بما لا يمكنها أن تسعى إلى قيادة النظام الإقليمي، وإيران لا تستطيع ذلك لأسباب مذهبية وسياسية، ومصر ما زالت في مرحلة إعادة البناء، والدول الرئيسية الأخرى ما زالت مترددة لأنها تخشى من انتشار الثورات الشعبية وتداعياتها، الأمر الذي يعطي لتركيا ميزة نسبية في مواجهة الدول الأخرى المنافسة، ويزيد من هذه الميزة النسبية أنها بدأت التحرك مبكرا، مما يجعلها تسيطر على جدول أعمال مرحلة إعادة التشكيل.

لقد أدركت تركيا أن الربيع الديمقراطي العربي يعطيها مزايا، في ما يتعلق بطموحاتها الإقليمية، ويفتح أمامها مجالات للتحرك من أجل تحقيق بعض الأهداف السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، خاصة وأن الأنظمة الاستبدادية التي سقطت، وإن كانت لم تظهر عداء لتركيا، إلا أنها كانت غير مرتاحة لتطورات الداخل التركي، التي أدت إلى اندماج الإسلاميين مع الحداثة ثم وصولهم إلى حكم البلاد، ونجاح تجربتهم، ما جعل الشعب يجدد الثقة فيهم أكثر من مرة. وهذا الإدراك التركي، هو الذي دفعها إلى دعم الثورات العربية، لأن أي انتكاسة يمكن أن تواجهها هذه الثورات، يمكن أن تحدث ردة في عملية التشكيل الإقليمي، وتحبط بالتالي المحاولات التركية للقيام بدور إقليمي مركزي.

وهذا يعني أن زيارة أردوغان إلى الدول الثلاث لن تكون النهاية، بل هي بداية سياسية تركية للدعم المادي للثورات العربية، بعد أن اقتصرت في السابق على الدعم الخطابي، والذي كان مهما في مرحلة سابقة.

 

Email