قاعدة بن لادن.. وقاعدة الظواهري

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبح المصري ايمن الظواهري هو زعيم تنظيم القاعدة، أي انه احتل الموقع الأول خلفا لأسامة بن لادن مؤسس التنظيم وزعيمه الأول من الناحية التاريخية.وبالطبع فان تغير زعامة التنظيم سوف تلقي بظلال على أدائه وتوجهاته وأيضا استراتيجياته، وهو ما يعنى أن تنظيم قاعدة الظواهري سيكون مختلفا بصورة أو أخرى عن تنظيم قاعدة أسامة بن لادن.فمع تولي الظواهري مسؤولية الزعامة قال المراقبون إن الجناح المصري من التنظيم أصبح هو الذي يتولى زمام القيادة، وهو ما يعنى أن التنظيم يضم أجنحة على أساس الجنسية أو الجغرافيا، خاصة وان هناك تكهنات ترى أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ضعف ولاؤه للقاعدة الأم بعدما ضعفت قبضة بن لادن داخل التنظيم.

هذا العامل ستكون له تداعيات أخرى منها ما هو متعلق بالتجنيد لعضوية التنظيم حيث سيضعف تجنيد أبناء السعودية وبعض البلاد العربية والإسلامية الأخرى، كذلك سيكون له تداعيات أخرى فيما يتعلق بتمويل التنظيم، وتداعيات ثالثة تتعلق بتوجهات التنظيم وخططه وأنشطته وأيضا عملياته.

فخلال زعامة بن لادن للتنظيم كان الأعضاء الجدد الذين ينضمون له اغلبهم من السعوديين ومعظمهم من عائلات معروفة وميسورة الحال، وقيل أن هؤلاء يريدون تقليد بن لادن نفسه وان يسيروا على خطاه، كذلك فان تمويل التنظيم كان في معظمه يأتي من دول الخليج العربي، وقيل أن ثقة المتبرعين ببن لادن ومعرفتهم به كان لها الدور الأكبر في جلب التبرعات، وقال خبراء علم اجتماع التنظيم أن بن لادن كان ينتمي إلى «المؤسسة الخليجية «حتى وان تمرد عليها، وكان المتبرعون والذين يدخلون التنظيم متمردين على نفس المؤسسة على الرغم من أنهم ينتمون إليها، وكان هؤلاء لديهم نظرا لانتماءاتهم الاجتماعية وخلفيتهم السياسية، دوافع إيديولوجية للانضمام إلى التنظيم الأمر الذي أدى إلى العديد من التداعيات منها صعوبة اختراق التنظيم من قبل أجهزة الأمن، وأيضا الالتزام الحديدي من قبل الأعضاء بجدول أعمال التنظيم وغيرها من التداعيات التي أعطت للتنظيم قوة وزخما.

وكل ذلك يعنى أن التنظيم سيواجه بظروف موضوعية وعوامل أخرى داخلية ستؤدى إلى تراجعه، ناهيك بالطبع عن أن الظواهري والجناح المصري من القاعدة هم من تنظيم الجهاد المصري الذي اعتمد العنف سبيلا للمواجهة، وهو ما يعنى أنهم سيسعون إلى مواجهة عبر العنف مع العالم الخارجي، الأمر الذي سيؤدى إلى زيادة مواجهة العالم الخارجي لهم بما يعنى عمليا أن التنظيم في ظل قيادته الجديدة سيواجه بضغوط داخلية تتمثل في ضعف التمويل وتراجع العناصر الجديدة، وضغوط خارجية تتمثل في زيادة الحصار الدولي من اجل فك التنظيم نهائيا، فكيف سيتعاطى الظواهري مع هذه المعطيات ؟.

هناك استراتيجيتان أمام الظواهري الأولى هي الانكماش لحين ترتيب البيت من الداخل وإقناع القوى الأساسية المساندة للقاعدة بأنه قادر على قيادة التنظيم بنفس القدرة التي كان عليها أسامة بن لادن، وهذه القوى هي القوى الممولة والقاعدة الاجتماعية التي يتم منها تجنيد العناصر الجديدة، والقوى الدولية التي تساند التنظيم ومنها قوى في أفغانستان وباكستان وبعض الدول الإسلامية والتي بها قوى تساند التنظيم ومعظمها من التنظيمات الإسلامية.وهذه الاستراتيجية سوف تستغرق وقت بما قد يؤدى إلى انشقاق قوى عن التنظيم لأنها قد ترى انه في سبيله إلى التراجع عن مواجهة فسطاط الشر.

أما الاستراتيجية الثانية فهي المبادرة بالهجوم عبر عمليات نوعية حتى وان أدى ذلك إلى انشقاقات، وفى هذه الحالية يمكن أن يصبح التنظيم مكونا فقط من الجناح المصري إضافة إلى عناصر أخرى من دول آسيوية تتميز بالتطرف، وهناك تنظيمات متعددة آسيوية تمارس العنف وتعتبر من الأعضاء أيضا في تنظيم القاعدة، وهذا الأمر قد يؤدى بالتنظيم إلى العزلة والتهميش، خاصة وان الظرف الحالي في الدول الإسلامية لم يعد مناسبا لان يقوم التنظيم بتجنيد العناصر المهمشة والفقيرة لان الدول الإسلامية التي يقوم التنظيم بتجنيد أبنائها تنفذ سياسات اجتماعية لكي تحول دون ذلك تعرف باسم سياسة تجفيف المنابع.

ويستطيع الظواهري أن يتبنى استراتيجية وسطية بين الاستراتيجيتين السابق الإشارة اليهما وهى أن يتبنى خطاب متشدد يتسم بالتهديد المستمر للغرب، ولكن بالتوزاي مع ذلك يقوم بإعادة بناء التنظيم وفقا للمعطيات الجديدة أي ضعف التمويل وانخفاض عدد العناصر الجديدة في التنظيم وتراجع حماس الجناح السعودي بسبب سيطرة الجناح المصري على التنظيم.

إن تنظيم القاعدة في طريقه إلى التراجع وإذا كانت هناك أسباب تتعلق بغياب بن لادن أو أخرى تتعلق بنجاح الغرب في توجيه ضربة قاصمة للتنظيم سواء من خلال قتل زعيمه التاريخي أو تفكيك بعض مكوناته أو تجفيف منابعه، فان هناك أسبابا أخرى موضوعية ستكون هي السبب الأساسي في تراجع التنظيم منها ما سبق لنا الإشارة إليه حول دور بن لادن الرمزي في التمويل والتجنيد ومنها ما هو متعلق بما شهدته المجتمعات العربية والإسلامية من تغييرات اجتماعية غيرت من أوضاع الاحتقان والتأزم الاجتماعي والثقافي التي كانت سائدة منذ عشر سنوات أو أكثر والتي ساهمت في توجه الشباب إلى القاعدة كوسيلة للاحتجاج على هذه الأوضاع الاجتماعية والثقافية.ومجمل كل ذلك أن قاعدة الظواهري ستكون اضعف من قاعدة بن لادن، وأنها أصبحت في مرحلة أفول، حتى وان حاول الأول أن يظهر غير ذلك عبر خطاب متشدد يبدو فيه وكان تنظيمه لم يتغير أو يضعف.

Email