نحو توازن إقليمي جديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس مصادفة أن يكون أول رئيس جمهورية يزور مصر في أعقاب ثورتها، هو عبد الله غل الرئيس التركي، ذلك أن الثورات العربية التي نجحت في إسقاط حكام أبّدوا في السلطة لعقود طويلة، سوف تسفر عن توازن إقليمي جديد. والحاصل أن السلطات العربية التي أسقطتها الشعوب، كانت لها سياسة إقليمية شبة موحدة، تتمثل في التحالف الاستراتيجي القوي مع الولايات المتحدة الأميركية وتنفيذ استراتيجيتها الكونية، وهذا الأمر كان يقابل برفض من الشعوب، وأدى في النهاية إلى تراجع الوزن الإقليمي لهذه الدول، ونقصد هنا كلا من مصر وتونس.

وقد أدى ذلك إلى أمرين معا؛ الأول أنه أعطى لإسرائيل الفرصة للاستعلاء، بل والعربدة الإقليمية والعصف بالشعب الفلسطيني وتجميد عملية السلام. والثاني أنه جعل دولا إقليمية مثل إيران وتركيا، تسعى إلى ملء الفراغ الذي أحدثه تراجع هذه الدول، وهو ما أدى في النهاية إلى أزمة واجهت النظام الإقليمي العربي، الذي كان قبل هذه الثورات يمر بمرحلة النهاية والانهيار.

وتغيير هذه الأنظمة لا بد وأن يؤدي إلى توازن إقليمي جديد، وهو الأمر الذي تنبهت إليه إسرائيل وكتب عنه كثبر من المحللين هناك، ولا بد أن مراكز الأبحاث الصهيونية بدأت في دراسة اتجاهاته وتحولاته، وبالطبع فإن المراكز الأخرى المشابهة في الولايات المتحدة الأميركية تعمل على نفس الأمر.

ونعتقد أن زيارة الرئيس التركي إلى القاهرة، كانت بهدف جس النبض ومعرفة توجهات القيادة المصرية الجديدة، خاصة وأن مصر لم تكن لديها مؤسسات راسخة تقوم برسم وتخطيط السياسات الإقليمية والدولية، وإنما ارتبطت هذه السياسة بالرئيس السابق حسني مبارك، حيث كانت السياسة الخارجية تصنع في مؤسسة الرئاسة في غياب تام لوزارة الخارجية. ويبدو أن الرئيس التركي كان يريد أن يستبق أي أحداث متوقعة، من أجل التنسيق مع القيادة المصرية الجديدة حول خطوط عامة للسياسة الإقليمية في المرحلة المقبلة.

وبالطبع فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر، أعلن أنه سيسلم الحكم لسلطة مدنية خلال ‬6 أشهر، وأن الحكومة الحالية ما هي إلا حكومة لتسيير الأعمال، ما يعني أن أيا منهما لن يتخذ أي خطوات استراتيجية في المرحلة الحالية، ولكن ذلك لا يعني أن التطورات الإقليمية لن تفرض عليه اتخاذ سياسات محددة، تتطلب تنسيقا ما مع القوى الإقلمية المؤثرة وعلى رأسها تركيا.

ويمكن القول إن المرحلة المقبلة سوف تشهد تحولات في السياسة الإقليمية المصرية، حتى إن كانت تحولات غير دراماتيكية، وهناك مؤشرات تؤكد هذا الأمر، أولها أن مصر سمحت بعبور سفينتين عسكريتين إيرانيتين لقناه السويس، لأول مرة منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام ‬1979. والثاني أنها أعلنت أن تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل سوف يكون بالأسعار العالمية، وهو ما يعني أن إسرائيل سوف تتحول من دولة ذات مزايا في علاقاتها مع مصر إلى دولة طبيعية، وهو ما يمكن أن يمتد إلى ملفات إقليمية أخرى، في مقدمتها ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وحسب ما تسرب في وثائق ويكليكس، فإن مصر لم تكن ضد التدخل العسكري في مواجهة إيران. وكانت تركيا تطرح مبادرات دولية بهدف التهدئة والتوصل إلى تسوية مرضية لكافة الأطراف، وإذا حدث تبدل في الموقف المصري في ظل سلطة جديدة، فإن ذلك يعني عزلة إسرائيل إقليميا ودوليا في ما يتعلق بهذا الملف، لأنها هي الأكثر سخونة في المطالبة بالحل العسكري لهذا الملف.

ووفقا لتطورات الأحداث في مصر، فإن كلا من الدكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والسيد عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية، وهما من المرشحين للانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة، وكلاهما كان يختلف مع السياسة الخارجية والإقليمية للرئيس السابق حسني مبارك، وكانا يطالبان بأن تكون لمصر تحالفات دولية وإقليمية مختلفة، وليسا ضد أن تكون علاقات مصر بالولايات المتحدة الأميركية جيدة، ولكن وفقا للمصالح المصرية، ومع عدم وضع كل البيض المصري في السلة الأميركية، كما كانت عليه سياسة الرئيس المصري السابق. وهذه الرؤى تقترب بصورة واضحة من السياسية التي تسير عليها حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا، ما يفتح الباب أمام تشكيل محور إقليمي، قد يجبر إيران على اتباع سياسة أكثر توازنا من أجل التنسيق مع هذا المحور، الذي يمكن أن يحدث تغييرات في سياسات منطقة الشرق الأوسط عبر آليات مختلفة.

وفي حال التنسيق المصري التركي حول الملف الإيراني، فإن السياسة المصرية ستتحول من الصدام مع طهران إلى احتوائها، وهذه السياسة يمكن أن تكون مجدية في تهدئة بعض الملفات الداخلية في بعض دول المشرق العربي.

وفي حال تطبيق هذه السياسة المصرية، فإن عزلة إسرائيل الإقليمية سوف تزداد، ما يفرض عليها تقديم تنازلات واضحة بخصوص تسوية الصراع العربي/ الإسرائيلي، سواء على المسار السوري أم المسار الفلسطيني، بما يحقق الحد الأدنى المقبول عربيا وإسلاميا، وليس كما كان عليه الحال قبل الثورات العربية، حيث كانت إسرائيل تسعى لفرض رؤيتها الخاصة لعملية السلام، وكانت مصر للأسف تساعدها في هذا الأمر، لاعتبارات خاصة بعلاقات النظام السابق الإقليمية والدولية.

Email