هل تكون الأخيرة بين الجزائر و«القاعدة»؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

شنت قوات الأمن الجزائرية، مؤخرا، عملية عسكرية واسعة ضد فلول تنظيم القاعدة في غابات سيدي علي بوناب في منطقة القبائل، شرق العاصمة الجزائرية، حيث يُعتقد بأن عدداً كبيراً من عناصر «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» موجودون فيها، وأفادت الأنباء بوقوع عدد كبير من القتلى في صفوف التنظيم، وأن الرجل الثاني في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» علي بن حاج انتقل إلى تيزي وزو، عاصمة القبائل، للتأكد من صحة أنباء تحدثت عن إمكان أن يكون نجله عبد القهار المكنى بــ«معاوية» هو أحد المسلحين القتلى.

وبعد عدة أيام على بدء هذه العملية العسكرية الضخمة، لم توفّر السلطات الجزائرية أي معلومات رسمية عن عدد القتلى في التنظيم، إلا أن أنباء ذكرت أن ‬12 قتيلاً سقطوا في الأيام الأولى للعملية، التي تردد أنها أحبطت مؤتمراً لـ«القاعدة» لمبايعة عدد كبير من الأمراء وقادة السرايا في مناطق الوسط. وتردد، في هذا الإطار، أن أجهزة الأمن أخذت عيّنات من الحمض النووي لعائلة أمير فرع «القاعدة» المغاربي، عبدالمالك دروكدال «أبو مصعب عبدالودود» للتحقق من إمكان أن يكون هو أيضاً أحد قتلى المعارك، رغم أن أنباء صحافية تحدثت عن نجاحه في تفادي السقوط والفرار إلى شرق البلاد.

وقالت مصادر متابعة للعملية العسكرية إن قوات الجيش الجزائري تعمل على ربط عدد من ولايات الوسط، بهدف تضييق الحصار على أتباع التنظيم الذين يحاولون الفرار أمام تقدم قوات الأمن، وأن قيادة الجيش رفعت عدد العسكريين الشاركين عمليات التمشيط إلى سبعة آلاف جندي، واستقدمت عناصر إضافية لتطويق بعض المنافذ التي يمكن أن يستخدمها المسلحون للفرار. كما أن العملية تمت تحت إشراف الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش، الذي ظل يُتابع عن كثب تطور العمليات العسكرية.

ووفقا لتطورات هذه العملية وما أسفرت عنه من نتائج، ومدى الاهتمام العالي بها لدى قيادة الجيش الجزائري، يستطيع المراقب أن يتكهن بأن الجزائر قررت أخيرا أن تشن هجومها الأخير على تنظيم القاعدة، بهدف إنهاء وجوده في الجزائر ودفع عناصره إلى البحث عن ملاذات أخرى تكون هي مركز قيادة التنظيم بدلا من الجزائر، وهو الأمر الذي بدت ملامحه في الشهور الأخيرة، بعدما انتقلت عمليات التنظيم من الجزائر إلى كل من مالي والنيجر وموريتانيا. وهذا الأمر يبدو أنه أغرى الجيش الجزائري بشن العملية الأخيرة المكثفة للتخلص نهائيا من القاعدة، وإعادة بناء استراتيجية التعامل مع التنظيم، بحيث تصبح معتمدة على التصدي لتسلل أعضائه من الدول المجاورة من أجل تنفيذ عمليات داخل الجزائر، بدلا من التعامل معهم باعتبارهم قوة مسلحة داخلية متمردة. وبالطبع فإن الاستراتيجية الأخرى أسهل في التنفيذ، لكنها تتطلب أولا طرد عناصر التنظيم من الأراضى الجزائرية.

وإذا كانت عمليات تنظيم القاعدة قد زادت في المنطقة المحيطة بالجزائر، خاصة في دول الساحل الإفريقي، حيث قام التنظيم بعمليات نوعية في مقدمتها خطف عمال مناجم فرنسيين من النيجر ونقلهم إلى مالي، بما يؤكد حرية الانتقال التي يتمتع بها عناصر التنظيم في هذه المساحة الممتدة من الأرض، فإن القضاء على الفرع الجزائري منه، أي «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، يمكن أن يمثل ضربة قاصمة له، لأن العمليات وإن كانت تنفذ حاليا خارج الأراضى الجزائرية، فإن الفرع الجزائري يقوم بخدمات لوجستية مهمة لها، وهو الأمر الذي يعطي أهمية للعملية الجزائرية الأخيرة في مواجهة تنظيم القاعدة، فالقضاء على التنظيم هناك أو إضعافه، سيحدث ارتباكا لنشاطه في كل المنطقة الجغرافية التي يتحرك فيها، في منطقة الساحل والصحراء ومجمل منطقة شمال إفريقيا، حيث يعمل من ليبيا إلى المغرب، ومن الجزائر إلى مالي والنيجر.

وحسبما ذكرت وسائل الإعلام الجزائرية فإن السلطات قطعت شبكة الهواتف المحمولة في ثلاث ولايات هي: البويرة وتيزي وزو وبومرداس، في خطوة قد يكون هدفها منع أي اتصالات بين أفراد القاعدة وبين ناشطين في التنظيم مفترضين يمكن أن يوفروا المخبأ لهم. ولكن قد يكون هدف قطع الاتصالات هو أن تظل السلطات مصدر المعلومات الوحيد عما يحدث في المواجهة العسكرية، وهو ما قد يعني أن جزءاً من المعلومات التي تسربت إلى وسائل العلام، يمكن أن يكون من قبيل الحرب النفسية ضد التنظيم.

وفي كل الحالات، فإن العملية العسكرية تؤكد أن تنظيم القاعدة في الجزائر، ممثلا في الجماعة السلفية للدعوة والقتال، لم يعد هو صاحب المبادرة، وإنما انتقل وضعه من الهجوم إلى الدفاع، وهو ما يعني في التحليل الأخير أنه بدأ في رحلة النهاية، التي سيتحدد مداها الزمني حسب النتائج الحقيقية للعملية العسكرية الأخيرة التي شنها الجيش الجزائري ضد التنظيم مؤخرا.

ومن المهم الاشارة إلى أن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» ارتكب مؤخرا خطأ مهما، عندما ربط نفسه وعملياته بتنظيم القاعدة في أفغانستان وأعلن أن التفاوض حول الإفراج عن المخطوفين الفرنسيين يجب أن يكون مع أسامة بن لادن. فهذا الأمر جعل الدول الغربية، خاصة فرنسا والولايات المتحدة، تقدم المزيد من الدعم لدول المغرب العربي التي تواجه التنظيم، وفي مقدمتها الجزائر. وقد تكون العملية العسكرية الأخيرة التي تريد الجزائر أن تكون نهائية، هي واحدة من نتائج هذا الربط وما نتج عنه من دعم غربي للجزائر.

 

Email