ترسيخ النهج الديمقراطي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يعد من نافلة القول التأكيد اننا نخوض تجربة جديدة، وان المشاورات التي يجريها رئيس الديوان الملكي د. فايز الطراونة بتكليف من جلالة الملك عبدالله الثاني مع الكتل النيابية والنواب المستقلين حول رئيس الحكومة القادمة، هي آلية جديدة تصب في ترسيخ الديمقراطية وتجذيرها لتصبح نهجاً لا حياد ولا تراجع عنه.. ما يستدعي العمل لانجاح هذه التجربة وهذا النهج وتطويره لتصبح الحكومات البرلمانية عنوان التغيير والاصلاح، وبوابة المرحلة الجديدة.

وفي ذات السياق، فلا بد من الاشارة الى ان هذه التجربة، تعتبر مرحلة انتقالية، أو برزخاً لا مفر من المرور به، لم يعتد عليها الجميع، ولم يألفوها طيلة حياتهم السياسية، وبالتالي قد ينظرون اليها على أنها تستغرق وقتاً طويلاً، وهذا صحيح، لانها كما قلنا تجربة جديدة لم تألفها كافة الاطراف.. ومن هنا لا مفر من احترامها والعمل على ترسيخها لتصبح تقليداً ديمقراطياً كما هو في العديد من دول العالم، اذ يستغرق تشكيل الحكومات أكثر من شهر، وتمدد الى مدة اخرى، ريثما يستطيع رئيس الوزراء تشكيل حكومة تحوز على ثقة مجلس النواب.

وفي هذا الصدد، فإن تطوير الحياة الحزبية، والنهوض بالاحزاب، لتأخذ مكانها الطبيعي في الحياة السياسية، يؤطر هذه التجربة، ويعطيها بعدها الحقيقي، حيث يتم تكليف الحزب الفائز او ائتلاف الاحزاب الفائزة في الانتخابات بتشكيل الحكومة ويترأس الحزب الذي لم يحالفه الحظ المعارضة، ويشكل حكومة ظل تتولى مراقبة ومتابعة اعمال ونشاطات وانجازات الحكومة ومساءلتها كلما رأت ذلك ضرورياً.

لقد مرت الدول الديمقراطية بتجارب عدة ومحطات كثيرة حتى وصلت الى هذه المرحلة المتقدمة في النهج الديمقراطي والعمل السياسي، ومحاربة الفساد والمفسدين، وهذا يعني ان لا بد من العمل التدريجي، والخبرات المتراكمة، بعد ان ثبت ان الديمقراطية لا تكتمل مرة واحدة، ولا تقوم على سياسية حرق المراحل، التي من شأنها ان تجهضها وتحيلها هشيماً تذروه الرياح.

وهذا يحتم علينا ان نذكّر بما اشار اليه جلالة الملك في ورقتي النقاش التي طرحهما للحوار ودعوته الى ضرورة تبني قيم وآليات الديمقراطية كركائز مهمة لتطويرها وتعميمها، والاخذ بها لتصبح نهجاً يومياً، يمارسها المواطن عن قناعة ووعي، وأبرز هذه القيم هي احترام الرأي الآخر، والاستماع الى وجهة النظر المعارضة، والايمان بأهمية وقيمة الحوار كوسيلة وحيدة لتلاقح الأفكار، والوصول الى الوفاق الوطني..الخ.

مجمل القول: نهج المشاورات والحوار الذي يقوده رئيس الديوان الملكي مع الكتل النيابية، بتوجيهات من جلالة الملك عبدالله الثاني، هو تجربة جديدة ورائدة تصب في ترسيخ الديمقراطية، لتشكيل الحكومة البرلمانية، وهو ينم عن احترام عميق لممثلي الشعب والاخذ برأيهم، ما يفرض ويستدعي من الجميع احترام هذا النهج الجديد، واعطائه الفرصة حتى يكتمل ويستوي على ساقه ويعطي ثماره الطيبة بإذن الله لصالح الوطن والمواطنين.
 

Email