الهدر البشري!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

حالات كثيرة نراها في الساحة الرياضية اليوم، بعد ظاهرة الاحتراف الكروي تحديداً، لأن الأندية تفكر فقط في كرة القدم، وتصرف مئات الملايين من أجلها، أما «الفتافيت»، فهي لبقية الرياضات الأخرى، و«ينذلون» إذا فازوا ببطولة، أو إذا حان وقت الدفع لمستحقاتهم، فتنقلب الآية عليهم، ويتحول الأمر إلى موقف محزن ومؤسف، هكذا هي أنديتنا، ولكن للفريق الأول لكرة القدم، فقد تقدم كل شيء على طبق من ذهب، وحتى لو كان اللاعب رابع احتياطي، ينال أضعاف الأضعاف مما يحصل عليه لاعب موهوب أحرز ميدالية ذهبية على مستوى الدولة، وهكذا تسير الأوضاع في الأندية، تركيزها على الكرة التي فقدت الأخلاق بنجومها الكبار، ويتفرج الصغار على مهازل النجوم!

أبعدوا المؤسسين الأصليين الذي ترعرعوا وتربوا في الأندية من أجل «شوية» متسلقين يقفون عند الأبواب، ويفتحون الطرقات ويركضون لفتح الممرات، بينما الكفاءات والقدرات والمخلصة أصحاب الشأن والتخصص وأبناء النادي، أبعدوهم بفعل فاعل، وأسوق هنا مثالاً لصديق ورفيق دربي في الدراسة بثانوية دبي وحتى الجامعية بالعين، فضلت الصحافة والإعلام، وفضل هو الفلسفة، وتم ابتعاثه إلى جامعة أميركية مرموقة جداً، وبعد سنوات طويلة من الابتعاث، حصل على درجة الدكتوراه في تخصص علمي نادر «الفلسفة»، ثم عاد إلى الوطن بعد أن كلف ابتعاثه خزينة الدولة مئات الألوف، هذا (الدكتور) الأكاديمي الخريج، اختار بعد عودته للوطن قاعات المحاضرات والمختبرات العلمية لتكون (ملعبه)، فقد كان لاعباً موهوباً في كرة السلة والطائرة، ولعب حارساً لكرة القدم، تلازمنا معاً، فبدأت مسيرتنا الرياضية في نادي النجاح فترة السبعينيات، وأشرف على تدريبنا المدرب الأستاذ الفاضل جمعة غريب، قبل الاندماج الحقيقي مع الأهلي عام 73.

إنه الدكتور عبد الرزاق المضرب، الأستاذ الجامعي الذي تضعه في أي مكان يبدع ويتألق، ويقدم الفلسفة والمنهج في أطروحاته، فقد كان كاتباً في «البيان» بشكل أسبوعي، توقف وزهد وابتعد، بعد أن وجد الأمور تسير بالمعكوس، فقرر أن يبتعد بهدوء، لأنها لا تسير وفق رؤيته الاحترافية، فهو محترف بكل ما تحمله الكلمة من معنى، من حيث الفكر الاستراتيجي الرائع الذي يتمتع به، تستعين به لجان جائزة محمد بن راشد للإبداع الرياضي منذ سنوات، فهو يحب هذا العمل الفكري الفلسفي، إنه صديق الطفولة، عندما كنا نطلق عليه «دوكي»، فيبدع «بوراشد» في المكان الذي يصب فيه عصارة جهده وفكره العلمي، عندما تم توجيهه للعمل مسؤولاً على القطاع الثقافي، بعيداً عن قاعات المحاضرات الأكاديمية، قرر أن يتفرغ لأسرته، لنخسر جهود أحد الكفاءات المخلصة، الذين كانوا يدفعونه من جيوبهم من أجل تسهيل مهمة شباب من كان يعمل في اللجنة الثقافية بناديه.. خسرناه بكل صدق، كفاءة قلما نجد مثلها اليوم، لنخسر الكفاءات، ونقدم المكافآت لمن لا يستحق، لقد خسر الوطن.. هذا هو الهدر البشري!!.. والله من وراء القصد.

Email