توثيق «قراقوشي»

ت + ت - الحجم الطبيعي

من لا يحفظ ماضيه، لن يحفظه مستقبله، من منطلق هذه القاعدة، تولّدت الحاجة إلى تدوين الأحداث، وحفظ التواريخ والأسماء، وهو ما جعلني، ومعي زملاء قلّة، يقفون متصدّين، رافعين شعار «كي لا يضيع تاريخنا الرياضي»، فتقريباً، أكثر من 80 عاماً مضت على انطلاق كرة القدم في البلاد، ربما ولادة أقدم ألعابنا الرسمية، كانت فيها محطّات كثيرة مرّت، وأسماء كبيرة لمعت، وقلّة قليلة تعرف تفاصيل ذلك الزمن الجميل، ومن هذا المنطلق، أخذت على عاتقي كتابة سيرة الكرة والرياضة، وحفظ تاريخنا الرياضي من الضياع، وإن كنت أتمنى، توفير بنك للمعلومات، في خدمة الإعلام الرياضي، تتبناه الجهات الرسمية القادرة على تسخير الإمكانات في هذا الجانب الحيوي الهام.

وحبّ العمل والجهد المتواصل والمصداقية والأمانة والدقة والصبر، كلها تحسب لمن يريد أن تكون تلك مفاتيح العمل في التوثيق الجاد، لمن كان همه التوثيق، ولكن كل هذه المواصفات، للأسف، تعد أمراً هامشياً لدينا، حيث يخرج علينا بعض «القراقوشية»، ليطبقوا التوثيق بمزاجهم وكيفهم، بحجة أنهم أحرار في ما يكتبونه!! وبدأت رحلتي في جمع المجلات والصور وصفحات الجرائد، بداية من السبعينيات، وفي عام 1978، حيث كانت أولى خطواتي بالصحافة، وأنا طالب بمدرسة ثانوية دبي، وكانت معظمها تضم نجوم الكرة، إضافة إلى بعض المدرسين الذين علمونا في المدرسة، وأيضاً في مجال الإعلام، ومنهم المرحوم فاروق راشد وعبد المنعم رضوان وغيرهم، ولم أزل على عهدي في التجميع والتوثيق حتى اليوم، وأفتخر بما أملكه من كنز إعلامي رياضي كروي، ومئات الألوف من الصور الرياضية التاريخية، بعد أن كونت لنفسي ركناً بسيطاً في بيتي، أعتبره هو رصيدي وكنزي في الحياة.

والتجربة الشخصية، كانت نقطة الانطلاق إلى ترميم تاريخنا الكروي المهدَّد بالضياع، بتفعيل التوثيق الرياضي في مكتبتي الرياضية المتواضعة، نظراً لأهمية التوثيق الرياضي، وضرورة تأسيس قاعدة من البيانات والمعلومات، تدعم مشروعات وخطط وبرامج تطوير ونهضة الحركة الرياضية بالدولة، وهذه مسؤولية المؤسسات التي تملك المقومات، فجميل أن نسمع بين فترات متباعدة، عن مبادرات من بعض مؤسساتنا الرياضية، كان آخرها من نادي النصر، بإقامة متحف لتوثيق تاريخه الرياضي، وهي بلا شك مبادرات طيبة ورائعة وضرورية، لكن يبقى التنفيذ هو الأهم، لأن كثيراً من المبادرات التوثيقية، رغم قلتها، خرجت ضعيفة، وبعضها للأسف الشديد مشوهة، أي ناقصة من حيث المعلومة أو المضمون، أو مغلوطة، وهنا الطامة الكبرى في مثل هذه الحالات، لها أهميتها كمراجع تاريخية للمهتمين والباحثين، فكيف يكون الحال عندما تتضمن هذه الوثيقة معلومات وبيانات خاطئة.

ومن واقع تجربتي الشخصية المتواضعة في هذا المجال، الذي لا أخفي سراً، أنني أعشق هذه التجربة، ومستعد أن أضحي من أجلها الكثير، لكي أتعلم وأخدم بلدي في موقعي، في جمع توثيقنا التاريخي، لأنني أعتبره إنجازاً وطنياً، علينا أن نفخر به ونحافظ عليه للأجيال المقبلة، فإعادة كتابة التاريخ مسؤولية، حتى لا نشوه ذكرياتنا وتاريخنا بـ «القراقوشية»!!.. والله من وراء القصد.

Email