متى يملّون من صناعة الحروب؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك أوقات صعبة جداً، يعبرها الإنسان وحيداً أحياناً، لأن الصعوبات والأزمات التي تصبغ الوقت تخصه أو تخص المقربين منه ربما، لكنْ هناك أوقات أو لنقل أزمنة صعبة نعبرها جميعنا، جميع الناس في المجتمع أو المنطقة وأحيانا في العالم كله، كنت أقلب مجلداً ضخماً بالأمس يضم أهم الصور الفوتوغرافية التي وثقت أحداث القرن العشرين، كل صورة تمثل زمناً وحدثاً كبيراً امتد في حياة البشرية لسنوات وربما لا تزال آثاره تتمدد في أيامنا هذه، وقد تتجاوزنا لأجيال مقبلة.

إن الصور سجل مهم ومكثف جداً لكتابة التاريخ في أزمنة الصورة وتقنيات المعلومات، إنها الدليل الذي لا يمكن التلاعب به، أو تكذيبه، الإنجازات والانتصارات فيها مثبتة، وصور العلماء العظام والزعماء الكبار والفلاسفة والروائيين الذين لن يتكرروا وملكات الجمال أيضاً، كلها محفوظة بعناية فائقة!

أما صور الحروب والكوارث والاعتداءات الهمجية فحدث ولا حرج، كصورة القنبلة الذرية التي ألقيت لأول مرة على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، وصورة الأطفال الفارين من قنابل النابالم في فيتنام تتقدمهم الطفلة العارية والصارخة بألم مفجع، وصورة جموع الفلسطينيين المهجرين من قراهم ومدنهم بعد المذابح البشعة التي ارتكبها اليهود الصهاينة ضدهم.

أما في أوروبا فإن أزمنة الحرب العالمية الأولى والثانية الطاحنة قد وثقتها صور الدمار وملايين الضحايا والمشردين، مدن بأكملها كانت مجرد خرائب تجمد الزمن أمامها، بينما بقيت مشاهد الدمار ومشاعر الرعب في عيون البشر طافحة من ثنايا الصور!

تلك أزمنة صعبة فعلاً، لن ينساها تاريخ الإنسانية، لقد صورها الإنسان ووثّقها وبالغ في حفظها وصيانتها، لكنه للأسف لم يستفد منها، فها هو يصنع بيديه أزمنة موت جديدة أشد صعوبة وكارثية، في كل مكان يتم فيه تمجيد العنف والغطرسة، وتبرير قيم الطغيان والمناداة بالحفاظ على الطاغية حفظاً للأمن والاستقرار، وعلى فلسفة الفردية والجشع وشراسة رأس المال وفساد السلطة والسياسة والسياسيين.
إن صناعة الحروب والأزمات، ودعم التنظيمات الإرهابية والإرهابيين، أحد أكبر مهددات الحضارة وبقاء الحياة.. إنه الإنسان نفسه، لا يكل ولا يمل من جنونه، وتكرار خطاياه القاتلة.

Email