الرواية حياة مكشوفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في حياتنا تركة هائلة من المسكوت عنه في سلوكنا اليومي، وفي تفاصيل علاقاتنا بأنفسنا وبمحيطنا، تفاصيل تصنع بهجتنا ومتعنا الكبرى، كما وتكشف بشكل أو آخر درجة شقاء الإنسان وأمراضه النفسية وانحرافاته، مع ذلك فإن هذا الإنسان يمعن في التأكيد على سويته وسعادته وطهارته الروحية، بينما الحقيقة ليست كذلك دائماً، كما يكشفه لنا يوسا في روايته «امتداح الخالة».

في هذه الرواية يعلي يوسا - الحائز على جائزة نوبل عام 2010 - صوت الأنا المختبئة في كل منا، يرفع الغطاء عن ممارسات الإنسان في شرطه البشري المبتذل، معلناً أن العودة لتاريخ «الأساطير» القديمة هي عودة لعمق التاريخ الإنساني، هذا التاريخ الذي صنعته سلسلة طويلة من تراكمات المعتقدات والأساطير والفنون والعلاقات الإنسانية الطبيعية والمرفوضة أو الفاسدة.

يتجلى ذلك كله في زمن الرواية غير المحدد، وفي مكانها غير الواضح تماماً، بينما يرسم يوسا شخوص العمل بشكل فاقع جداً، وبتفاصيل تصل حد الصدمة، الزوج والزوجة والطفل والخادمة، حيث تعمد يوسا أن يترك المكان بيتاً معلقاً في فضاء العاصمة «ليما» لم يخرجنا منه تماماً، إلا حين أشار بكلمات محدودة إلى خروج الزوجة للتبضع وشراء متطلبات البيت، هذه المرأة/الزوجة هي وحدها المحرك والرابط والمرتبط بالجميع، وبعلاقات ملتبسة وصادمة فعلاً، في إشارة لحواء مركز ثقل الحياة وبهجتها للجميع.

يكتب يوسا «امتداح الخالة» ضمن أربعة مسارات متوازية ومتقاطعة ومتداخلة في آن واحد:

أولاً: مسار السرد المتوهج والتفصيلي الذي يتميز به يوسا والجانح نحو الحسية المبدعة لا المكشوفة ولا الفاضحة. ثانيا: مسار الميثولوجيا الإغريقية لتعزيز تصورات وبنية الرواية. ثالثا: مسار الفن التشكيلي عبر ست لوحات فنية كلاسيكية وتجريدية ذات موضوعات ألهمت ذهن الروائي، كما وأكملت تصورات العمل وقادت خطاه في دهاليز النفس المتأججة بالرغبات والمشاعر المختلطة. رابعا: الرمزية المحفزة للعقل الباطن على تفكيك النص وإعادة تركيبه وقراءته.

هل يمكن النظر لهذه الرواية باعتبارها أدباً غير مفضل أو غير مرغوب به اجتماعيا؟ هذه قضية إشكالية في التعاطي مع هذا النوع من الكتابة، إن من يقرأ «امتداح الخالة» يحتاج إلى الكثير من الجهد والثقافة، لكنه لا يستطيع أن يتهمها بالابتذال أبداً، حتى وإن راوح يوسا في منطقة محددة لا يستسيغ العقل العربي الجمعي الواعي التعاطي معها بمرونة.

Email