أهلا رمضان.. أما قبل !!

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت قد عدت من السفر في الليلة الأولى لشهر رمضان، فوضعت حقائبي وتناولت سحوري ونمت، فإذا بالصباح الأول في رمضان ينبئني بكل ما ذهبت بعيدا عنه، كل ما تجنبته طيلة العشرة أيام السابقة التي لم أفكر خلالها أن أدير التلفزيون في أي فندق نزلت فيه، حاولت في تلك الأيام التي سافرت فيها ألا أرى سوى السماء والغيم وخضرة الأشجار وزرقة البحار والمضائق، أتمتع بمرأى الجزر السابحة في لا نهائية المياه الداكنة من علو شاهق.

وأشم روائح أطعمة العثمانيين والسلافيين وروائح البحر والمراكب والصيادين والفواكه الطازجة في جزر الأدرياتيك، كنت بالفعل كمن يعيش طقساً أبيض خالياً من المنغصات التي يعبق بها فضاء الشرق الأوسط، كنت أتمنى أن لا أسمع ولا أرى هذه البشاعات التي حملتها لي الصحف التي ظلت تتراكم بانتظار عودتي!

أول ما دار ببالي: إذا كنا في عشرة أيام فقط قد راكمنا كل هذه البشاعة، كل هذا القتل وسفك الدماء باسم الدين، من مانشستر بريطانيا هناك في أقصى الشمال إلى مدينة المنيا في مصر إلى جرائم داعش في الموصل إلى ما يحدث في سوريا، فكم يبلغ ما راكمناه خلال السنوات الماضيات وخلال كل التاريخ المليء بالصراعات والحروب والنصوص المتوحشة التي صاغها بعض مشايخ الدين المتطرفين ليعلو بفتاواهم تلك من وتيرة التطرف والكراهية ؟؟ لقد راكمنا الكثير جدا مما يتكئ عليه مهووسوا القتل والتطرف اليوم باعتباره فتاوى شرعية ؟

إن أخبار العلاقة بين الذين ارتكبوا جريمة قتل الأخوة الأقباط في المنيا من الأطفال والنساء والرجال بالطريقة التي تمت بها وبين تلقي تدريبهم في ليبيا، يبدو أنها ستفتح ملفاً جديداً للعنف والتطرف ربما يفوق ذاك الذي فتح ولا يزال في سوريا والعراق، فالقتل على الهوية الدينية والمذهبية صار رائجاً ومعتمداً عند هؤلاء.

وبشكل أصبح يشكل هويتنا كمسلمين شئنا أم أبينا في أي مكان نذهب إليه ! فحين يحط مسلم أو مسلمة في أي بلد أوروبي أو حتى غير أوروبي، تظل نظرات التوجس تلاحقه منذ أن يقف أمام ضابط الجوازات في أي مطار، فحركته مرصودة، ووجهه مشكوك فيه، وحقائبه تفتش بعناية وجسده ينتهك بالتفتيش الذاتي أكثر من سواه، وهكذا حتى ينجو من هذه المعمعة اللاإنسانية !

ثم ماذا؟ إلى متى يطلق العنان لهؤلاء السفلة المجرمين؟ إلى متى يبقون هكذا يسفكون الدماء باسم الدين، ويشوهون الدين باسم الدين، ينتهكون الأعراض، ويجندون الأطفال، ويسرقون ويختطفون ويزرعون الأرض بالألغام والفتن والدم والجثث باسم الدين؟

Email