صندوق الأحلام الذي انكسر!

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه الواقعة حدثت عندما كنا طالبات صغيرات، وبالرغم من مرور زمن طويل على تلك الواقعة، إلا أنها ما زالت تحتل من ذاكرتنا جزءاً مهماً، نذكرها ونتندر بها، ونضحك كلما استرجعناها، وبعيداً عن الضحك والتندر، فهي تجسيد حقيقي للطريقة المثلى التي يستطيع بها المعلم أو المربي عموماً، أن يحطم أحلام وموهبة وتطلعات تلاميذه، أو من يقوم على تربيتهم وتعليمهم.

ففي تلك السنوات، كانت معلمة التربية الفنية، تطلب منا التفكير في عمل فني، أو ما كانوا يسمونه الأشغال الفنية، وحين فكرت واحدة من صديقاتنا في عملها الخاص وأتت به في صندوق صغير، سعيدة متباهية ببراءة طفلة، هداها تفكيرها لما أتت به، كانت ردة فعل المعلمة أقسى وأسوأ مما يمكن تخيله، وأصعب من أن يمحى من الذاكرة!

لقد أمسكت بذلك الصندوق الحلم، وقذفت به من النافذة، وسط صراخ لا مبرر له، فظل ذلك الموقف محفوراً في ذاكرتنا حتى اليوم!

في الدارجة الإماراتية، يقال للشخص المثبط للهمم، الذي يغلق أبواب الأمل في وجوه الآخرين، بأنه (يكسر المجاديف)، فحين تجد شخصاً يظهر بعض النبوغ في مجال ما، أو تلمح فيه علامات تفوق لافتة للنظر، ثم تستنكف أن تعترف له بهذا التفوق، وتأخذ في السخرية منه أمام الآخرين، مستبعداً أن يكون هو صاحب هذا الإبداع، أو أن يمتلك أصلاً نبوغاً أو تفوقاً، حين يكون هذا موقفك، فأنت مكسر مجاديف بامتياز، ومع سبق الإصرار والترصد، مع أنك في قرارة نفسك متأكد من موهبته، لكنك غير راغب، لأسباب تعود إليك، في الاعتراف له بذلك!

الذين يكسرون مجاديف الآخرين، هم أولئك الذين لا مانع لديهم من رؤية هؤلاء يغرقون وسط البحر، دون أن يجدوا المجداف الذي يعينهم على الوصول إلى الهدف، والذين يكسرون مجاديف الآخرين، لا يمتلكون سفناً ولا مجاديف في الأساس، ولا يعرفون مهارة ركوب البحر أو التجديف إلى شواطئ أخرى.

هم خالون من المواهب عادة، مترددون وتقليديون، وواقفون على نفس الأرض، يراقبون حركة الآخرين وعلو هممهم وتفجر مواهبهم، فتصيبهم الغيرة ويركبهم الحسد، فإذا أبحر شخص بموهبته، غافلوه وغدروا به وكسروا مجدافه سراً أو علانية!

يحدث أن يكسر مجدافك أو يحبطك زميلك في العمل، فقديماً قيل (عدوك صاحب مهنتك)، أو رفاقك وزملاؤك في الفصل، لكن أن يحطمك ويكسر مجاديف نجاحك وموهبتك معلمك، أو من يقوم بتربيتك وتوجيهك، فهذا ما لا ينسى، وهذا من أخطر ما يتعرض له الطلاب والتلاميذ في مسيرتهم التعليمية.

وهم بالكاد يكتشفون ملكاتهم ومواهبهم، أو يريدون من يساعدهم على اكتشافها وصقلها وتوجيهها، ثم نتساءل أين المبدعون في الفن والموسيقى والكتابة والـ.. إلخ؟، إذا كان المعلم سيلقي بموهبتك أو أحلامك من أقرب شباك له، فأي موهبة سيربي أمثال هؤلاء؟!!

 

Email