سينما زمان!

ت + ت - الحجم الطبيعي

السينما ليست مجرد صناعة أفلام للمتعة البصرية، وإن كان ذلك أحد أهم تطلعات وأمنيات صناع الأفلام، أن يحظوا أو أن يقال لهم: إن أفلامهم حازت رضا متذوقي السينما، خلاف المتعة البصرية فالسينما واحدة من أقوى الوسائل، التي نجح الغرب في توظيفها، لتعديل وتوجيه أفكار وتوجهات الشعوب للتأثير عليهم.

ونشر ما يريدون من أفكار وثقافات وحتى أكاذيب ومغالطات، السينما قوة ضاربة، لكنها ناعمة جداً، لطيفة، ومحببة للجميع، ولذلك فحين تمتلك صناعة سينما فأنت تستحوذ على عقول نصف كوكب الأرض، هذا إذا اعتبرنا أن النصف الآخر لا يشاهد السينما لظروف مختلفة كثيرة.

وقبل أن نترك هذه الخلاصة علينا الاعتراف بأن السينما تشكل سجلاً تاريخياً حقيقياً لحياة وتاريخ وسلوكات المجتمع الذي تمثله، فالفيلم الذي أُنتج عام 1945 مثلاً حين تشاهده اليوم، فأنت لا تنظر لفيلم عادي ينتظر صناعه منك تقييماً أو مديحاً ما، إنك في الحقيقة تقرأ الشاشة ولا تشاهدها فقط، كمن يقوم بدراسة حالة للمجتمع الذي كان يمثله الفيلم، مقارنة بالمجتمع نفسه في اللحظة الراهنة، أنت إذاً تقوم بدراسة حالة مقارنة وتاريخية، السينما أداة خطرة لا تحتمل العبث، كالكتاب تماماً!

بالصدفة توقفت أصابعي عن الضغط على جهاز التحكم وأنا أتنقل بين محطات التلفزيون، كان معظم ما يعرض عادياً، مكرراً ولا جديد، حتى توقفت أمام محطة تعرض فيلما مصرياً قديماً بالأبيض والأسود، توقفت لأن جمال الطفلة، التي كانت تقوم بدور البطولة في الفيلم كان لافتاً وخاطفاً بالفعل، ثم لم أتحرك حتى ظهرت على الشاشة كلمة «النهاية»، بشكلها التقليدي القديم!

حكاية الفيلم ككل حكايات أفلام زمان بسيطة، وغير معقدة، لكنها تفكيكية، فأنت أثناء متابعة الفيلم تجد كيف عالج المخرج إشكالية الفيلم بشكل، فكك فيه كل المجتمع دفعة واحدة وبسلاسة، وأحياناً بسذاجة محببة، علاقات الجيران، علاقة الزوج الموظف بالزوجة القادمة من طبقة أعلى، علاقة الناس وسلوكاتهم في الشارع، الأناقة، نظافة الشوارع، شكل المعمار، حركة المرور، دور الشرطة والأمن والإعلام، درجة الأمان في المدينة.

بحيث تتحرك طفلة قاطعة مناطق كثيرة، لأجل جلب زجاجة دواء لوالدها دون أن تتعرض لا للتحرش ولا للاختطاف أو الإيذاء، بل العكس تماماً، الفيلم يطرح عشرات الأسئلة على تقلبات الواقع الحالي لكثير من مجتمعاتنا العربية، مقارنة بين ما كان وما أصبحت عليه!

الفيلم هو «حياة أو موت» من إنتاج عام 1954، دخل المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي عام 1955، وحاز جائزة الدولة، وجائزة أحسن فيلم للعام نفسه، وهو من إخراج كمال الشيخ، وبطولة عماد حمدي!

Email