وللناس في عشق المدن مذاهب!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أدري مدى دقة هذا الاعتقاد، لكنه من القناعات التي يرددها أولئك الذين يمتلكون تراثاً شخصياً عميقاً في السفر والترحال والعلاقة بالمدن، إنه الاعتقاد بأنك إذا عدت من سفرك محتفظاً ببعض نقود البلاد التي تسافر إليها، فإنك بلا شك ستعود إليها.

 وقد عدت بالفعل لزيارة معظم البلاد التي احتفظت ببعض نقودها في محفظتي، وهو أمر لا يحتاج إلى أساطير أو خرافات، فالإنسان عادة ما يحتفظ بتذكارات من البلاد التي زارها وأحبها، فإذا أحب مكاناً أو بلداً فإنه سيرغب بزيارته مراراً.

يؤمن المصريون بأن الزائر أو السائح الذي يشرب من ماء النيل لابد أن يعود لزيارة مصر مجدداً، وأظن أن الأمر لا علاقة له بماء النيل، لأنه لا أحد يشرب من ماء النيل هذه الأيام بسبب ارتفاع نسبة التلوث، وطغيان طعم ورائحة الكلور على الماء، لذلك يستعيض الجميع بزجاجات المياه المعبأة، ومع ذلك يذهب الزائر إلى مصر مرة ثم يعاود الزيارة مرة ثانية وثالثة وعاشرة، حتى وإن لم يحتفظ ببعض الجنيهات في محفظته، فمصر بلاد لا يمكنك أن تزورها مرة واحدة وتكتفي!

هناك بلاد لا تجد فيها خطأ واحداً في أي مكان، تسير فيها فتشعر بأنك تنظر إلى وجه حسناء باذخة الحسن لا وجود لخدش أو خلل في تقاسيم وجهها، مع ذلك فالإنسان لا يقع في هوى كل فتاة جميلة، هناك جمال جاذب، وجمال بارد، وجمال لا يلفت الانتباه، وجمال يسرق الروح، والمدن تشبه النساء غالباً!

القاهرة تعج بالأخطاء والملاحظات، لا يمكن حتى لأعتى عشاقها أن يدعوا بأنها مدينة مثالية غاية في الأناقة والترتيب والتزام القانون، ربما كانت كذلك ذات يوم في سنوات الأربعينيات يوم كانت أجمل المدن وكانت مدن أوروبا تغار من نظامها وجمال معمارها ونظافتها، أما اليوم فالأمر مختلف تماماً والأسباب أكثر من أن تعد أو تحصى، لن نبحث عن مبررات تردي أوضاع المدينة فهذا ليس موضوعنا، مع ذلك فالقاهرة رغم كل شيء تمتلك روحاً ضاجة بالحياة والمحبة والترحاب، مدينة قادرة على احتواء الجميع ومنح كل واحد منهم ما يتمنى، مدينة مضيافة، تظهر لك كل عيوبها منذ اليوم الأول، وهي تعلم أنك ستعطيها كل الأعذار، وستدخل في شرايينها وتعيش فيها كما تريد دون أن يزعجك أحد ولا حتى المدينة نفسها!

نعم، لابد أن تعود لزيارة القاهرة مراراً وتكراراً!

Email