كيف تعلمت أن تكتب؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لطالما سئلت كيف تعلمت الكتابة؟ ذلك سؤال أجده شبيهاً بمن يسأل كيف تعلمت القراءة أو من علمك ذلك؟ تبدو بعض الأعمال أو المهن التي يقوم بها الناس، وكأنها قدرهم المحتوم، أي أنهم مهما حاولوا أن يفعلوا شيئاً آخر فإنهم في نهاية المطاف سيجدون أنفسهم يدورون حول الاهتمام الأول الذي لطالما كان شغلهم الشاغل، والشيء المميز في شخصيتهم والمستحوذ على أذهانهم منذ سنوات بعيدة.

ربما سيتغير المكان الذي يمارسون فيه ذلك الشغف حين يكبرون، فبدل أن يناموا على الأرض أو في أي مكان من البيت، ثم يستغرقون في التلوين والرسم، أو ينزوون في أي مكان ويقرؤون كما كانوا وهم صغار، أو ينهمكون في عجن الطين أو الصلصال وتكييفه على هيئات وأشكال مختلفة، سيجدون أنفسهم يجلسون إلى طاولات فاخرة وغرف واسعة تمتلئ بالزخرفات والأثاث الجميل، لا جديد يطرأ على المكان، هذه كلها أمور ظاهرية، التغيير يحصل علينا وعلى إمكانياتنا ومهاراتنا، الفرق ليس في حجم المكتب وماركة القلم وعلبة الألوان، ولكن في المهارات التي طورناها والطريق الخاصة بنا، تلك التي ابتكرناها لنرسم أو نكتب بها، لنكون الجملة ونرسم اللوحة وننحت المجسم ونؤلف القصة بطريقتنا.

من يعلمنا أو من يقودنا لعشق علبة الألوان ونحن صغار؟ لا أحد، إنه نداء اللون وقانون التجاذب بين أرواحنا، وتلك الألوان أو الأوراق والكتب والصلصال، إنني ألاحظ ذلك الصغير »راشد« وهو يتحرق شوقاً للأوراق وللألوان كلما جلس أو مشى أو تحرك، كلما دخل بيتنا سألني عن أوراق بيضاء وعن أقلام ملونة، يريد أن يرسم، لأنه ممتلئ بشيء ما، قلبه يفيض كنهر باللون والجملة اللونية والالتقاطة الملونة، يريد أن يخرجها من داخله، يريد أن يخرج الشموس التي تتوالد في داخله، والغيم والبحار والسفن، والورود والأشجار، يريد أن يودعها بياض الورق، ويمضي ليمتلئ بها مجدداً، هؤلاء رسل اللون والجمال، دعوهم يرسمون، دعوا اللون ينير طريقهم، ودعوا رفاقهم يستنيرون بالكتب والقراءة والموسيقى والمعرفة، هذه الأنوار التي ستحميهم من جنون التطرف والتخلف والتزلف وانعدام الطريق.

هؤلاء إذا لم يوبخهم ولم ينهرهم أحد بقسوة، ولم يسمعوا تلك الجمل الفارغة »اترك هذا الكلام الفارغ من يدك وانتبه لدروسك«، سيبحرون في عوالمهم الملونة والعظيمة هذه وهم صغار، وسيكونون كتاباً ورسامين ونحاتين عندما يكبرون، وساعتها ستعلمون كيف يتعلم الإنسان الكتابة والرسم والنحت و... إلخ. إنه الشغف والحرية.

Email