أبجديات

في الحسد والعين والحضارة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

سألني قارئ ظريف بعد أن قرأ مقالي: مع أني لا أؤمن بالعين، إلا أنني أتساءل دوماً هل العين محصورة على المسلمين والعرب فقط؟ وكان يقصد الإيمان بالحسد بشكل مبالغ فيه وخارج عن المنطق أحياناً، فقلت له، الحسد مثبت في أصل الدين وورد ذكره صريحاً في سورة الفلق، ولذلك لا يصح القول بعدم الإيمان بوجوده.

ما لا يمكن قبوله أو تمريره ببساطة بشأنه، هو هذه المبالغة في إحالة كل ما يحدث للإنسان على أنه حسد أو إصابة «عين»، لأننا فوتنا موعد الطائرة أو تعثرنا بشيء في الطريق أو تمزق ثوبنا الجديد أو غير ذلك، فتفسير المرض وسقوط الطائرات وضياع فرصة الوظيفة وفرصة اللحاق بالقطار.

وانسكاب القهوة على الثياب الجديدة وما لا يحصى من الأحداث الصغيرة والتافهة والعظيمة جداً لها منطق علمي وأسباب طبيعية ومنطقية، لا تحتاج لا إلى عين ولا إلى غير ذلك، فهذه أمور ستحدث بعين وبغير عين، إذا تأخرت عن موعدك ستفوتك الطائرة والقطار وكل شيء، وإذا لم تتوافر فيك المؤهلات المطلوبة لن تحصل على الوظيفة المرموقة، وستذهب لغيرك. هذا هو السبب الطبيعي وليس عين جارتك أو عين زميلك التي هي أقوى من أشعة الليزر.

أما أن العين والحسد محصور في العرب والمسلمين، فهذا غير صحيح، فحتى كبار رجالات الدولة في الغرب يؤمنون بالطالع، ويترددون على المنجمين وقراء الكف والورق والفنجان للتنبؤ بطالعهم، ويؤمنون بالعين وبكل الخرافات والأساطير.

لكن الفرق هو مدى شيوع هذا الإيمان بين الناس، ومدى سيطرة الخرافة والأسطورة والجهل على عقول الناس، مقابل مستوى التحضر والعلم في المجتمع، ومستوى ونوعية الانشغالات والاشتغالات والاهتمامات التي تستحوذ على اهتمام أفراد المجتمع، فالتوغل في التفاهات وحياة الدعة والمظاهر والزيف والاستهلاك والتنافس المظهري، وغير ذلك يفتح الطريق واسعاً في عقول الناس للاعتقاد بهكذا قناعات.

في المجتمعات المتحضرة اليوم يشيع الكثير من القناعات التي تتضارب مع العلم والتطور والحداثة، فهو من غرائب قناعات البشر، لكن الإنسان مجبول على التناقض دائماً.

يقول كاتب الأورغواي الشهير إدواردو غاليانو عن تناقض الإنسان المتحضر: «في مكان ما من إحدى الغابات، علق أحدهم: كم هم غريبو الأطوار هؤلاء المتحضرون، جميعهم لديهم ساعات ولا وقت لدى أي منهم!».

Email