العشاء الأخير في «إسطنبول»!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا جدال في أن قتل الأبرياء، في أي مكان وفي أي زمان، وعلى يد كائن من كان، يعد إرهاباً، سواء كان هذا القاتل فرداً مستقلاً أو فرداً ضمن جماعة ذات أجندات وأهداف، أو كان دولة أو كان من كان، فقتل النفس التي حرّم الله قتلها إلا بالحق يعتبر جريمة كبرى، ليس لها ما يبررها قانونياً وإنسانياً، فلا الانتقام ولا الثورات ولا حتى الخطأ يعفي الفاعل من المسؤولية.

لكن بعض الحوادث الإرهابية يبدو كأنه تصفية حسابات بين أنظمة داخل الإقليم أو أجنحة داخل المجتمع، وبدل أن يقال إن هذا الحادث هو تداعيات لما حصل سابقاً من تجاوزات، أو إن هناك رائحة مافيا وعصابات كبرى، فإنه يتم تحميل الحادث على جهات معروفة تسارع بدورها إلى تبنيه، باعتبارها وكالة قتل بالإنابة عن جميع القتلة.

إن »داعش« وغيره من تنظيمات الإرهاب ليست سوى مرتزقة قتل، لا قضية لهم، يشبهون الوكالات العامة التي تقدم خدمات من أي نوع مقابل المال، إضافة إلى البعد العقائدي الذي تقمصوه زوراً، لذلك فكل العالم المخالف أعداء لهم، وعليه فحين يتم تحميلهم مسؤولية الحادث فإننا بذلك نكون كمن تخطينا السبب الحقيقي للعنف الحاصل أو الحادثة الإرهابية التي حدثت، فالتفجيرات التي تحدث في العراق مثلاً أو التي تحدث في لبنان أو إسطنبول، كل هذه الحوادث تحيل في حقيقتها إلى صراع أنظمة وأجنحة وتوجهات وميليشيات وحتى عقائد متباينة داخل مؤسسة الحكم أو على أرض الإقليم، وهذا الصراع هو ما يذهب هؤلاء الأبرياء ضحاياه هكذا بسهولة وجنون، يجسده ذلك المجرم الذي دخل إلى ملهى يفترض أن يكون تحت حماية مشددة (؟؟؟)، وفتح نيران رشاشه على الأبرياء دون تمييز، ودون أن يكونوا قد تسببوا له أو لأي أحد في أي أذى!

سيدفع كثيرون أثماناً باهظة لجرائم لا يد لهم فيها، فمدرّس الرياضة اللبناني الذي احتفل بزواجه منذ خمسة أشهر لا علاقة له بملابسات السياسة وحركتها واعتباراتها في تركيا، لكنه تلقى الرصاص وغادر الحياة بطلقة غادرة، ومثله انطفأت جذوة الحياة في قلب مواطنه الذي ألقى بنفسه في البسفور، وتلك الشابة التي مزق الرصاص أحشاءها، وكذلك الشابة السعودية شهد سمان ذات الـ26 ربيعاً، دون أي ذنب سوى أنها كانت تنتظر على أحد مقاهي منطقة أرتاكوي مجيء أقاربها لتتشارك العشاء معهم، فكان عشاءً دامياً وأخيراً ليلتها.

Email