الذئاب لا تهرول عبثاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع كل منعطف جديد أو حدث كبير تخوضه أو تستعد له المنطقة، تشتغل مواقع التواصل ووسائل الإعلام المختلفة بتدفق غريب ومريب للأخبار والتعليقات حول الحدث، ثم سرعان ما تكبر الدائرة لينحرف الأمر من مجرد نقاش وتبادل الآراء متحولاً إلى حرب كلامية طاحنة يتبادل فيها الجميع التهم والشتائم والكلام البذيء والطعن في الدين والمذهب و... الخ !

وبرغم وجود أصوات حكيمة متزنة، وتمتلك قدراً عالياً من وضوح الرؤية والفهم الحقيقي لكل ما يحدث، إلا أن الغلبة عادة لا تكون للعقلاء، إنما تكون من نصيب الأكثرية أو من يطلق عليهم الأغلبية، الذين يحتكمون للعواطف ويتحركون بفعل مؤثرات خفية، ومؤثرين لا يظهرون في الصورة أبداً أو على السطح لكنهم ينشطون خلف الستائر لأن هذه هي مهمتهم !

إن أغلب ما نتابعه من أخبار وصور وتقارير فورية ومباشرة من مكان الحدث، ليس سوى دليل عملي وواقعي على اختلال ميزان التفوق الإعلامي بيننا وبين الغرب وتحديداً الولايات المتحدة، هذا الاختلال الذي رسخ ما يسمى بمبدأ (التدفق الحر للأخبار) والذي عملت الولايات المتحدة المستحيل لتحوله من مجرد مطالبة بحق الحصول على المعلومة، إلى واقع هيمنت من خلاله على سوق الإعلام العالمي وسوق المعلومات ووسائل النقل والمواصلات والتواصل، بمعنى آخر الهيمنة على عقول وإعلام دول العالم الثالث !

لقد ورد في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان عام 1945، أن حرية الحصول على المعلومات واحد من الحقوق الأساسية في الميثاق، ثبت لاحقاً أن ذلك كان نوعاً من استثمار التفاوت بين الشرق والغرب في مجال الصناعة والهيمنة على الأخبار والمعلومات، لقد استطاع الغرب أن يفرض هيمنته ويقر مبدأ التدفق الحر، الذي يتجلى اليوم في وكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي التي تضخ آلاف الأخبار والآراء والقصص والصور يومياً تاركة الناس في فوضى تذكر بالفوضى الحاصلة في جغرافيا المنطقة تماماً!

كثير مما نقرؤه مصنوع لإثارة النعرات والمزيد من الحروب الكلامية، بينما بعضه ليس سوى إشاعات وفبركات متناقضة، وآراء مستفزة يتبناها إعلاميون فاقدو المصداقية لكنهم قادرون على تحريك العواطف وجموع الغوغاء، ومن هنا تأتي التحذيرات بشأن التزام الحذر والتفكير كثيراً قبل تصديق أو تبني أو إعادة إرسال ما يصلنا، لأن هذه المجانية المطلقة لمواقع التواصل، هذا الفضاء المفتوح على مصراعيه دون حسيب أو رقيب، هذا التدفق العجيب للأخبار يدفع كثيراً لهذا الحذر فالذئاب لا تهرول عبثاً!

Email