التطوع.. المعنى الإنساني للتطور

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شيء يعطي للوقت ثراءً وامتلاءً حقيقياً مثل القراءة والإنصات للموسيقى، والمشاركة في أعمال ونشاطات تطوعية، والانتماء لجماعات ومؤسسات مدنية تعمل لصالح قضايا ذات أبعاد إنسانية عميقة وحقيقية وبعيدة عن أمور الربح والخسارة والاعتبارات الشكلية الفارغة، كتلك الأندية والجمعيات التي تعمل لصالح أطفال التوحد، والأطفال مرضى السرطان وكبار السن ونزلاء دور المسنين، وحماية البيئة وتنظيم تظاهرات ثقافية مختلفة، وغير ذلك مما يعطي للإنسان شعوراً مضاعفاً بالقيمة والتأثير.

معروف أنه كلما ازداد تقدم وتطور المجتمع، زادت حركة ونشاط مؤسسات المجتمع المدني، ليس فقط في مجال الروابط والنقابات المهنية، ولكن في مجالات إنسانية مختلفة، وهذا يدلل على درجة وعي الإنسان في هذه المجتمعات وقناعته بدوره كشريك مجتمعي في حياة الناس الذين يتشارك معهم الانتماء والعيش، متخلصاً من نزعة الأنانية والفردانية التي لطالما كرّستها وقوّتها نظم وقوانين وتوجهات المجتمعات المادية.

عادة ما يلتقط الإنسان هذه النزعة الإنسانية - تجاه الفئات المحتاجة وحتى تجاه الحيوانات - من البيئة التي ينشأ فيها، من والديه، إخوته الأكبر سناً، رفاقه في الحي، من المدرسة، من التلفزيون، من الأنشطة المشابهة التي يلاحظها حوله، ولذلك فقد كان تصرفاً ممتازاً ذلك الذي قامت به أجهزة الشرطة في إحدى الإمارات حين ألقت القبض على مراهق قام بتعذيب قطة حتى الموت، وألزمت والده بتعهد بعدم تكرار ذلك، فهذا المراهق ومن على شاكلته، عليه أن يعرف أن هذا السلوك مرفوض دينياً وأخلاقياً وإنسانياً، ولهذا أعتبر سلوك الشرطة شكلاً من أشكال الردع والتربية معاً.

وقبل الحيوان فإن شبابنا حسب ما أعرف يميلون بشكل قوي نحو التطوع بجميع أشكاله وفي كل المجالات، وهناك جامعات تطلب من طلابها ساعات محددة من التطوع في أعمال مجتمعية، كما أن حماية البيئة والمسابقات الرياضية لصالح برنامج معين (سرطان الثدي مثلاً) يعتبر من أكثر الأنشطة التي تنال اهتمامات المتطوعين الشباب، ما يعني أننا مجتمع لا يتطور أفقياً ببناء ناطحات سحاب، ومراكز تجارية فقط، ولكننا نطور ونتطور باتجاه القيم الإنسانية ذات المعنى والتأثير في حياة الآخرين.

Email