المتلصصون العموميون!

ت + ت - الحجم الطبيعي

سيكون من المفيد ونحن نفكر في السفر للمرة الألف ربما، أن تكون لدينا خطة سفر واضحة للطريقة التي ننوي بها تمضية الأيام، للمناطق التي نودّ زيارتها، وللتفاصيل الجديدة التي نرغب في اكتشافها، والتي لأجلها سافرنا وقطعنا هذه المسافات، فلا يعقل أن نسافر لعشرة أو خمسة عشر يوماً بكل أعبائها وكلفتها المالية من أجل الجلوس في المطاعم أو مقاهي الأرصفة منشغلين باستمتاع تام بتصوير أكواب الكابوتشينو أو فناجين القهوة التركش فقط.

يعتبر السفر بشكل عام مسألة شخصية وخاصة جداً، هذه حقيقة، ولا يحق لأي منا أن يتدخل في رحلات الناس وأسفارهم، ولا بتوجيهها أو بانتقادها، لذلك يمكن لأي شخص أن يصرخ قائلاً إنها حياتي وخياراتي، ومن حقي أن أفعل أو أقضي أيام سفري كما أريد وأينما أشاء، اهتموا بأموركم ودعوني وشأني، نعم ذلك صحيح جداً ولكن! حين يكون السفر مسألة خاصة لا يعلم به أحد أو يتعامل معه صاحبه بأنه شأن خاص فعلاً!

أما حين يتحول إلى شأن عام مذاع على الهواء مباشرة، فإنه يصبح أمراً عاماً يخص الجميع، لأن صاحبه سمح به!

حين تقرر أن تسافر إلى جبل أو جزيرة أو مدينة، أو حتى إذا قررت السفر إلى بلاد الأسكيمو، فذلك شأنك وحريتك وحقك الذي كفلته لك كل القوانين ومواثيق حقوق الإنسان، وإذا حاول أحدهم أن يتلصص عليك أو يلتقط صوراً لك وأنت تتمتع بخصوصيتك فمن حقك مقاضاته قانونياً، أما وأنت بنفسك تعلن عن خط رحلتك ومكان إقامتك، وتفرغ حقيبة ثيابك أمامنا، وترينا أحذيتك وحقائبك وعطورك وإكسسواراتك، وأطباق الطعام التي تتناولها منذ الصباح حتى المساء، فلا وجود للخصوصية أبداً، هذا ما يحدث بالضبط للذين يشاركون متابعيهم يوميات وتفاصيل رحلاتهم عبر مواقع التواصل الأكثر فاعلية اليوم، مثل السناب شات والفيسبوك!

هذه المشاركة عبر مواقع التواصل هي التي تجعل سلسلة الانتقادات مشروعة وغير محدودة، وأحياناً تتجاوز حدود اللياقة أو المسموح به، فحين لا يكفّ الشخص أثناء سفره عن تصوير فناجين القهوة وأطباق الطعام ولا شيء آخر، فإنه سيكون عرضة للانتقاد فعلاً، وأحياناً للسخرية المرة أيضاً، ذلك أنه لم يكن بحاجة لأن يسافر ليكتشف أن هناك كابوتشينو أو »كب كيك« أو محلات »لادوريه« مثلاً!

يحتاج الإنسان على مواقع التواصل لأن يعرف لمن يكشف حياته، وعلى من ينكشف، ومع من يتشارك يومياته، وأن يتحمل ما يعنيه له هذا الانكشاف، إذا لم يفكر أو لم يكن معنياً بتصحيح ثقافة السفر لديه وفعل شيء أكثر أهمية من تصوير فناجين الكابوتشينو!!

Email