ذاكرة أهل العزائم

ت + ت - الحجم الطبيعي

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

                      وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها

                          وتصغر في عين العظيم العظائم

هذه الأبيات من مأثورات الشاعر المعروف أبي الطيب المتنبي، قالها قبل قرون طويلة مادحاً بها سيف الدولة الحمداني، وقد اختصر المتنبي في هذين البيتين ظروفاً وحالات نعيشها في زماننا المعاصر، سواء بالنسبة لأحوال الدول أو المسؤولين أو الأفراد، ففي كل موقف عظيماً كان أو بسيطاً، خطيراً يهددنا كأمة أو يتحدانا كأفراد تنطبق أبيات المتنبي كأنها قيلت لهذا الزمان!

استغرب من حال آلاف مؤلفة من أبناء العرب اليوم ممن يعبرون عن حقيقة أفكارهم وما يؤمنون به من قناعات عبر مواقع التواصل، فيشغلون أنفسهم بمشاكل الآخرين، وينغمسون في شؤونهم ويتصارعون ويصرخون إلى درجة تبادل الاتهامات والشتائم، بدل أن يهتموا بظروفهم ومشاكلهم وأزمات مجتمعهم، هذا الانغماس في شؤون الآخرين إلى هذه الدرجة ليس له تفسير سوى الشعور بالفراغ وانعدام الدور الحضاري، والاعتراف بتفوق الآخر، وإلا لماذا هذا الاهتمام الغريب بأدق تفاصيله!

إن من يطلب النجاح لا يستصعب الجهد ولا يضيع الوقت، ومن يفكر في التقدم والتنمية لا ينشغل بشؤون الآخرين، بل ينشغل بإصلاح أموره، إلا إذا كان على يقين بأن أحواله لا أمل في إصلاحها، عندها يصير الانشغال بالآخرين أجدى نفعاً وأسلم للجميع!

إن الذاكرة الفردية والجمعية، الآنية والتاريخية التي لا تحتفظ بتفاصيلها وبالمواقف الخطيرة التي مرت بها، كذخيرة تحميها وترفع معنوياتها، تشبه ذاكرة السمك، قصيرة، مثقوبة وسريعة العطب، لذلك نجد الأمم والشعوب التي لا تحترم ذاكرتها وميراثها تعيد أخطاءها للمرة الألف دون أي إحساس بالمسؤولية على ضياع الوقت والجهد والمال، فتتعثر بكل حجر يوضع لها في وسط الطريق، وتقع في نفس الحفرة التي تحفر لها، دون أن تتعلم مما مضى كحال معظم دول العرب والمسلمين الذين بدل أن يراجعوا طريقة تعاملهم مع الأزمات يضيعون الوقت في شتم الظروف ولوم الآخرين وتآمرهم!

ولو أنهم بدلاً من ذلك اشتغلوا بتطوير وإصلاح أحوالهم لكان أفضل لهم، ولأمكنهم إحداث التغيير الإيجابي بدل مضغ نظرية المؤامرة بلا نهاية!

Email